فصل: تفسير الآيات رقم (38- 40)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تفسير الطبري المسمى بـ «جامع البيان في تأويل آي القرآن» ***


تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، قَدْ بَيَّنَ لَهُ دِينَهُ فَتَبَيَّنَهُ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَلَفٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شَيَّبَانُ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عُرْوَةَ عَنْ مُحَمَّدِ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ قَالَ‏:‏ قُلْتُ لِأَبِي‏:‏ يَا أَبَتِ، أَنْتَ التَّالِي فِي ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا وَاللَّهِ يَا بُنِّيَّ‏!‏ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ أَنَا هُوَ، وَلَكِنَّهُ لِسَانُهُ

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِسَانُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِسَانُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَبُو النُّعْمَانِ الْعِجْلِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ الْحَسَنِ الْأَزْدِيِّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْمُعَافَى بْنُ عِمْرَانَ عَنْ قُرَّةَ بْنِ خَالِدٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، وَهُوَ مُحَمَّدٌ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنِ الْحَسَنِ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ لِسَانُهُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ لِسَانُهُ هُوَ الشَّاهِدُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي رَجَاءٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا غُنْدُرٌ عَنْ عَوْفٍ عَنِ الْحَسَنِ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ يَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ عَوْفٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْعَلَّافِ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الشَّاهِدُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا غُنْدُرٌ عَنْ عَوْفٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانُ الْعَلَّافُ قَالَ‏:‏ بَلَغَنِي أَنَّ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ عَنْ عَوْفٍ عَنْ سُلَيْمَانَ الْعَلَّافِ سَمِعَ الْحَسَنَ بْنَ عَلِيٍّ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مُحَمَّدُ هُوَ الشَّاهِدُ مِنَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ زَيْدٍفِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ، وَالْقُرْآنُ يَتْلُوهُ شَاهِدٌ أَيْضًا مِنَ اللَّهِ، بِأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ نَضِرِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو خَالِدٍ سَمِعْتُ سُفْيَانَ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمَارَةَ الْأَسَدِيُّ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا رُزَيْقُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا صَبَاحٌ الْفَرَّاءُ عَنْ جَابِرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَجِيٍّ قَالَ‏:‏ قَالَ عَلِيٌّ رِضَى اللَّهِ عَنْهُ‏:‏ مَا مِنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ إِلَّا وَقَدْ نَزَلَتْ فِيهِ الْآيَةُ وَالْآيَتَانِ‏.‏ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ‏:‏ فَأَنْتَ فَأَيُّ شَيْءٍ نَزَلَ فِيكَ‏؟‏ فَقَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَمَا تَقْرَأُ الْآيَةَ الَّتِي نَزَلَتْ فِي هُودٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ جِبْرِيلُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، إِنَّهُ كَانَ يَقُولُ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

وَحَدَّثَنَا بِهِ أَبُو كُرَيْبٍ مَرَّةً أُخْرَى، بِإِسْنَادِهِ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فَقَالَ‏:‏ قَالَ‏:‏ يَقُولُونَ‏:‏ “ عَلَيٌّ “، إِنَّمَا هُوَ جِبْرِيلُ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ هُوَ جِبْرِيلُ، تَلَا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ وَالْقُرْآنَ، وَهُوَ الشَّاهِدُ مِنَ اللَّهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيُّ، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمَثْنَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَهْلُ بْنُ يُوسُفَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا جَرِيرٌ عَنْ لَيْثٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ إِسْرَائِيلَ عَنِ السُّدِّيِّ عَنْ أَبِي صَالِحٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ جُوَيْبِرٍ عَنِ الضَّحَّاكِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، يَعْنِي مُحَمَّدًا هُوَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنَ اللَّهِ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، جِبْرِيلُ، شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ، يَتْلُو عَلَى مُحَمَّدٍ مَا بُعِثَ بِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنِ الرَّبِيعِ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ هُوَ جِبْرِيلُ

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ نَضِرِ بْنِ عَرَبِيٍّ عَنْ عِكْرِمَةَ قَالَ‏:‏ هُوَ جِبْرِيلُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، يَعْنِي مُحَمَّدًا، عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، فَهُوَ جِبْرِيلُ، شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ بِالَّذِي يَتْلُو مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الَّذِي أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ قَالَ‏:‏ وَيُقَالُ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ يَحْفَظُهُ الْمَلَكُ الَّذِي مَعَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ عَارِمٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ أَيُّوبَ قَالَ‏:‏ كَانَ مُجَاهِدٌ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ يَعْنِي مُحَمَّدًا ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ جِبْرِيلُ‏.‏

وَقَالَا آخَرُونَ‏:‏ هُوَ مَلِكٌ يَحْفَظُهُ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَعَهُ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ، مَلَكٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَسُوِيدُ بْنُ عَمْرٍو عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَلَكَ يَحْفَظُهُ‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَمَّنْ سَمِعَ مُجَاهِدًا‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ الْمَلَكُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، يَتْبَعُهُ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ، مَلَكٌ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَمَّادُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَلَكُ يَحْفَظُهُ‏:‏ ‏{‏يَتْلُونَهُ حَقَ تِلَاوَتِهِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْبَقَرَةِ‏:‏ 121‏]‏ قَالَ‏:‏ يَتَّبِعُونَهُ حَقَّ اتِّبَاعِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حَافِظٌ مِنَ اللَّهِ، مَلَكٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا بِالصَّوَابِ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ “ هُوَ جِبْرِيلُ “ لِدَلَالَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً‏}‏، عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْلُ قَبْلَ الْقُرْآنِ كِتَابَ مُوسَى، فَيَكُونُ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى صِحَّةِ قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ “ عَنَى بِهِ لِسَانَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَوْ‏:‏ مُحَمَّدٌ نَفْسُهُ، أَوْ‏:‏ عَلِيٌّ “ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ‏:‏ “ عُنِيَ بِهِ عَلِيٌّ “‏.‏ وَلَا يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا كَانَ تَلَا ذَلِكَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، أَوْ جَاءَ بِهِ، مِمَّنْ ذَكَرَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ أَنَّهُ عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ‏}‏، غَيْرُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ دَلِيلَكُ عَلَى أَنَّ الْمَعْنِيَّ بِهِ جِبْرِيلُ، فَقَدْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ الْقِرَاءَةُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابَ مُوسَى‏}‏ بِالنَّصْبِ، لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عَلَى مَا تَأَوَّلْتَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ‏:‏ وَيَتْلُو الْقُرْآنَ شَاهِدٌ مِنَ اللَّهِ، وَمِنْ قَبْلِ الْقُرْآنِ كِتَابَ مُوسَى‏؟‏

قِيلَ‏:‏ إِنِ الْقُرَّاءَ فِي الْأَمْصَارِ قَدْ أَجْمَعَتْ عَلَى قِرَاءَةِ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ فَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ خِلَافُهَا، وَلَوْ كَانَتِ الْقِرَاءَةُ جَاءَتْ فِي ذَلِكَ بِالنَّصْبِ، كَانَتْ قِرَاءَةً صَحِيحَةً وَمَعْنًى صَحِيحًا‏.‏

فَإِنْ قَالَ‏:‏ فَمَا وَجْهُ رَفِعِهِمْ إذًا “ الْكِتَابَ “ عَلَى مَا ادَّعَيْتَ مِنَ التَّأْوِيلِ‏؟‏

قِيلَ‏:‏ وَجْهُ رَفْعِهِمْ هَذَا أَنَّهُمُ ابْتَدَؤُوا الْخَبَرَ عَنْ مَجِيءِ كِتَابِ مُوسَى قَبْلَ كِتَابِنَا الْمُنَزَّلِ عَلَى مُحَمَّدٍ فَرَفَعُوهُ بِـ “ مَنْ “ ‏[‏وَمِنْهُ‏]‏، وَالْقِرَاءَةُ كَذَلِكَ، وَالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْتُ مِنْ مَعْنَى تِلَاوَةِ جِبْرِيلَ ذَلِكَ قَبْلَ الْقُرْآنِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ مَعْنَاهُ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَ الْخَبَرُ مُسْتَأْنِفًا عَلَى مَا وَصَفْتُ، اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَى مَعْنَاهُ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏إِمَامًا‏)‏ فَإِنَّهُ نُصِبَ عَلَى الْقَطْعِ مِنْ “ كِتَابِ مُوسَى “، وَقَوْلُهُ ‏(‏وَرَحْمَةً‏)‏، عَطْفٌ عَلَى “ الْإِمَامِ “‏.‏ كَأَنَّهُ قِيلَ‏:‏ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَأْتَمُّونَ بِهِ، وَرَحْمَةً مِنَ اللَّهِ تَلَاهُ عَلَى مُوسَى كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ قَبْلِهِ جَاءَ بِالْكِتَابِ إِلَى مُوسَى‏.‏

وَفِي الْكَلَامِ مَحْذُوفٌ قَدْ تُرِكَ ذِكْرُهُ اكْتِفَاءً بِدَلَالَةِ مَا ذُكِرَ عَلَيْهِ مِنْهُ، وَهُوَ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شَاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً‏}‏ “ كَمَنْ هُوَ فِي الضَّلَالَةِ مُتَرَدِّدٌ لَا يَهْتَدِي لِرُشْدٍ، وَلَا يَعْرِفُ حَقًّا مِنْ بَاطِلٍ، وَلَا يَطْلُبُ بِعَمَلِهِ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا “‏.‏ وَذَلِكَ نَظِيرُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ الزُّمَرِ‏:‏ 9‏]‏ وَالدَّلِيلُ عَلَى حَقِيقَةِ مَا قُلْنَا فِي ذَلِكَ أَنَّ ذَلِكَ عُقَيْبَ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا‏}‏ الْآيَةَ، ثُمَّ قِيلَ‏:‏ أَهَذَا خَيْرٌ، أَمْ مَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏؟‏ وَالْعَرَبُ تَفْعَلُ ذَلِكَ كَثِيرًا إِذَا كَانَ فِيمَا ذَكَرَتْ دَلَالَةٌ عَلَى مُرَادِهَا عَلَى مَا حَذَفَتْ، وَذَلِكَ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ‏:‏

وَأُقْسِمُ لَوْ شَيْءٌ أَتَانَا رَسُولُهُ *** سِواكَ وَلَكِنْ لَمْ نَجِدْ لَكَ مَدْفَعًا

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ذَكَرْتُ يُصَدِّقُونَ وَيُقِرُّونَ بِهِ، إِنْ كَفَرَ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ الَّذِينَ يَقُولُونَ‏:‏ إِنَّ مُحَمَّدًا افْتَرَاهُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏17‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهَذَا الْقُرْآنِ، فَيَجْحَدُ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ‏{‏مِنَ الْأَحْزَابِ‏}‏ وَهُمُ الْمُتَحَزِّبَةُ عَلَى مِلَلِهِمْ ‏{‏فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ‏}‏، أَنَّهُ يَصِيرُ إِلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ بِتَكْذِيبِهِ‏.‏ يَقُولُ اللَّهُ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَكُ فِي شَكٍّ مِنْهُ، مِنْ أَنَّ مَوْعِدَ مَنْ كَفَرَ بِالْقُرْآنِ مِنَ الْأَحْزَابِ النَّارُ، وَأَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ‏.‏

ثُمَّ ابْتَدَأَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ الْخَبَرَ عَنِ الْقُرْآنِ فَقَالَ‏:‏ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الَّذِي أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ، يَا مُحَمَّدُ الْحقُّ مِنْ رَبِّكَ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُصَدِّقُونَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ‏.‏

فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ‏:‏ أوَ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَكٍّ مِنْ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ، وَأَنَّهُ حَقٌّ، حَتَّى قِيلَ لَهُ‏:‏ “ فَلَا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ “‏؟‏

قِيلَ‏:‏ هَذَا نَظِيرُ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ‏}‏ ‏[‏سُورَةَ يُونُسَ‏:‏ 94‏]‏، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ هُنَالِكَ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ قَالَ‏:‏ نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ مَا بَلَغَنِي حَدِيثٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عَلَى وَجْهِهِ إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، حَتَّى قَالَ “ «لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّارَ “»‏.‏ قَالَ سَعِيدٌ فَقُلْتُ‏:‏ أَيْنَ هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ‏؟‏ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ كُلِّهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيُّ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ عَوْنٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ‏}‏، قَالَ‏:‏ مِنَ الْمِلَلِ كُلِّهَا‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ وَابْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ كُنْتُ لَا أَسْمَعُ بِحَدِيثٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى وَجْهِهِ، إِلَّا وَجَدْتُ مِصْدَاقَهُ أَوْ قَالَ تَصْدِيقَهُ فِي الْقُرْآنِ، فَبَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «“ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ‏,‏ ثُمَّ لَا يُؤْمِنُ بِمَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا دَخَلَ النَّار» “، فَجَعَلْتُ أَقُولُ‏:‏ أَيْنَ مِصْدَاقُهَا‏؟‏ حَتَّى أَتَيْتُ عَلَى هَذِهِ‏:‏ ‏{‏أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ‏}‏، إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَالْأَحْزَابُ، الْمِلَلُ كُلُّهَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ «“ مَا مِنْ أَحَدٍ يَسْمَعُ بِي مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، فَلَا يُؤْمِنُ بِي إِلَّا دَخَلَ النَّارَ “»، فَجَعَلْتُ أَقُولُ‏:‏ أَيْنَ مِصْدَاقُهَا فِي كِتَابِ اللَّهِ‏؟‏ قَالَ‏:‏ وَقَلَّمَا سَمِعْتُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَجَدْتُ لَهُ تَصْدِيقًا فِي الْقُرْآنِ، حَتَّى وَجَدْتُ هَذِهِ الْآيَاتِ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ‏}‏، الْمِلَلُ كُلُّهَا‏.‏

قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْكَفَّارُ أَحْزَابٌ كُلُّهُمْ عَلَى الْكُفْرِ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمِنَ الْأَحْزَابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الرَّعْدِ‏:‏ 36‏]‏، أَيْ‏:‏ يَكْفُرُ بِبَعْضِهِ، وَهُمُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى‏.‏ قَالَ‏:‏ بَلَغَنَا أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ‏:‏ “ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَلَا يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يُؤْمِنَ بِي، إِلَّا دَخَلَ النَّارَ “‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ النَّضْرِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ أَبِي بِشْرٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «مَنْ سَمِعَ بِي مِنْ أُمَّتِي أَوْ يَهُودِيٌّ أَوْ نَصْرَانِيٌّ، فَلَمْ يُؤْمِنْ بِي لَمْ يَدْخُلِ الْجَنَّةَ»‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏18‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَّا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ تَعْذِيبًا مِمَّنِ اخْتَلَقَ عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَكَذَبَ عَلَيْهِ‏؟‏ ‏{‏أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ‏}‏ يَعْرِضُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى رَبِّهِمْ “ فَيَسْأَلُهُمْ عَمَّا كَانُوا فِي دَارِ الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا‏}‏، قَالَ‏:‏ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، ‏{‏أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ‏}‏، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، يَعْنِي الْمَلَائِكَةَ وَالْأَنْبِيَاءَ الَّذِينَ شَهِدُوهُمْ وَحَفِظُوا عَلَيْهِمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ وَهُمْ جَمْعٌ “ شَاهِدٌ “ مِثْلُ “ الْأَصْحَابِ “ الَّذِي هُوَ جَمْعُ “ صَاحِبٌ “ ‏{‏هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ شَهِدَ هَؤُلَاءِ الْأَشْهَادُ فِي الْآخِرَةِ عَلَى هَؤُلَاءِ الْمُفْتَرِينَ عَلَى اللَّهِ فِي الدُّنْيَا، فَيَقُولُونَ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا فِي الدُّنْيَا عَلَى رَبِّهِمْ، يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَلَّا غَضَبُ اللَّهِ عَلَى الْمُعْتَدِّينَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي قَوْلِهِ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، وَالْأَشْهَادُ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ، يَشْهَدُونَ عَلَى بَنِي آدَمَ بِأَعْمَالِهِمْ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏(‏الْأَشْهَادُ‏)‏، قَالَ‏:‏ الْخَلَائِقُ أَوْ قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا مَعْمَرٌ عَنْ قَتَادَةَ بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، الَّذِينَ كَانَ يَحْفَظُونَ أَعْمَالَهُمْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا ‏{‏هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ‏}‏، حَفِظُوهُ وَشَهِدُوا بِهِ عَلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ “ الْأَشْهَادُ “ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي، عَنْ سُفْيَانَ قَالَ‏:‏ سَأَلْتُ الْأَعْمَشَ عَنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْمَلَائِكَةُ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ‏}‏، يَعْنِي الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ، وَهُوَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلَاءِ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ النَّحْلِ‏:‏ 89‏]‏‏.‏ قَالَ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ‏}‏، يَقُولُونَ‏:‏ يَا رَبَّنَا أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ فَكَذَبُوا، فَنَحْنُ نَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَيْكَ يَا رَبَّنَا‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي عَدِيٍّ عَنْ سَعِيدٍ وَهِشَامٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍٍ الْمَازِنِيِّ قَالَ‏:‏ بَيْنَا نَحْنُ بِالْبَيْتِ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَهُوَ يَطُوفُ، إِذْ عَرَضَ لَهُ رَجُلٌ فَقَالَ‏:‏ يَا ابْنَ عُمَرَ مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي النَّجْوَى‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ سَمِعْتُ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ‏:‏ يَدْنُو الْمُؤْمِنُ مِنْ رَبِّهِ حَتَّى يَضَعَ عَلَيْهِ كَنَفَهُ فَيُقَرِّرُهُ بِذُنُوبِهِ، فَيَقُولُ‏:‏ هَلْ تَعْرِفُ كَذَا‏؟‏ فَيَقُولُ‏:‏ رَبِّ أَعْرِفُ‏!‏ مَرَّتَيْنِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بِهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَبْلُغَ قَالَ‏:‏ فَإِنِّي قَدْ سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَيُعْطَى صَحِيفَةَ حَسَنَاتِهِ أَوْ‏:‏ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ‏.‏ وَأَمَّا الْكُفَّارُ وَالْمُنَافِقُونَ، فَيُنَادَى بِهِمْ عَلَى رُءُوسِ الْأَشْهَادِ‏:‏ “ أَلَا هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ أَلَّا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ “‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا هِشَامٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ صَفْوَانَ بْنِ مُحْرِزٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، نَحْوَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ كُنَّا نُحَدَّثُ أَنَّهُ لَا يَخْزَى يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ، فَيَخْفَى خِزْيُهُ عَلَى أَحَدٍ مِمَّنْ خَلَقَ لِلَّهِ أَوِ‏:‏ الْخَلَائِقُ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏19‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ النَّاسَ، عَنِ الْإِيمَانِ بِهِ، وَالْإِقْرَارِ لَهُ بِالْعُبُودَةِ، وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ دُونَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، مِنْ مُشْرِكِي قُرَيْشٍ، وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا يَفْتِنُونَ عَنِ الْإِسْلَامِ مَنْ دَخَلَ فِيهِ‏.‏ ‏{‏وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَيَلْتَمِسُونَ سَبِيلَ اللَّهِ، وَهُوَ الْإِسْلَامُ الَّذِي دَعَا النَّاسَ إِلَيْهِ مُحَمَّدٌ يَقُولُ‏:‏ زَيْغًا وَمَيْلًا عَنِ الِاسْتِقَامَةِ‏.‏ ‏{‏وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَهُمْ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَمَاتِ مَعَ صَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَبَغْيِهِمْ إِيَّاهَا عِوَجًا ‏(‏كَافِرُونَ‏)‏ يَقُولُ‏:‏ هُمْ جَاحِدُونَ ذَلِكَ مُنْكِرُونَ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏20‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَعْنِي جَلَّ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ‏}‏، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهُمْ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ إِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بِالَّذِي يُعْجِزُونَ رَبَّهُمْ بِهَرَبِهِمْ مِنْهُ فِي الْأَرْضِ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُمْ وَالِانْتِقَامَ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ فِي قَبْضَتِهِ وَمُلْكِهِ، لَا يَمْتَنِعُونَ مِنْهُ إِذَا أَرَادَهُمْ وَلَا يُفَوِّتُونَهُ هَرَبًا إِذَا طَلَبَهُمْ ‏{‏وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَمْ يَكُنْ لِهَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِذَا أَرَادَ عِقَابَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصَارٌ يَنْصُرُونَهُمْ مِنَ اللَّهِ، وَيَحُولُونَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إِذَا هُوَ عَذَّبَهُمْ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا مَنَعَةٌ يَمْتَنِعُونَ بِهَا مِمَّنْ أَرَادَهُمْ مِنَ النَّاسِ بِسُوءٍ‏,‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ يُزَادُ فِي عَذَابِهِمْ، فَيُجْعَلُ لَهُمْ مَكَانُ الْوَاحِدِ اثْنَانِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَالْخِلَافُ فَى تَأْوِيلِهَا‏}‏، فَإِنَّهُ اخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ ذَلِكَ وَصْفُ اللَّهِ بِهِ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَنَّهُ قَدْ خَتَمَ عَلَى سَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَا يَسْمَعُونَ الْحَقَّ، وَلَا يُبْصِرُونَ حُجَجَ اللَّهِ، سَمَاعَ مُنْتَفِعٍ، وَلَا إِبْصَارَ مُهْتَدٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ‏}‏ صُمٌّ عَنِ الْحَقِّ فَمَا يَسْمَعُونَهُ، بِكُمٌّ فَمَا يَنْطِقُونَ بِهِ، عُمْيٌّ فَلَا يُبَصِّرُونَهُ، وَلَا يَنْتَفِعُونَ بِهِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا خَيْرًا فَيَنْتَفِعُوا بِهِ، وَلَا يُبْصِرُوا خَيْرًا فَيَأْخُذُوا بِهِ

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ أَنَّهُ حَالَ بَيْنَ أَهْلِ الشِّرْكِ، وَبَيْنَ طَاعَتِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ‏.‏ أَمَّا فِي الدُّنْيَا، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ‏}‏، وَهِيَ طَاعَتُهُ ‏{‏وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ‏}‏‏.‏ وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ، فَإِنَّهُ قَالَ‏:‏ ‏{‏فَلَا يَسْتَطِيعُونَ خَاشِعَةً‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْقَلَمِ‏:‏ 42، ‏]‏‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ إِنَّمَا عَنَى بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمَا كَانَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ‏}‏، آلِهَةَ الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ مَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ أُولَئِكَ وَآلِهَتُهُمْ، ‏{‏لَمْ يَكُونُوا مُعْجِزِينِ فِي الْأَرْضِ يُضَاعَفُ لَهُمُ الْعَذَابُ مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ‏}‏، يَعْنِي الْآلِهَةَ، أَنَّهَا لَمْ يَكُنْ لَهَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرَ‏.‏ وَهَذَا قَوْلٌ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وَجْهٍ كَرِهْتُ ذِكْرَهُ لِضَعْفِ سَنَدِهِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ يُضَاعِفُ لَهُمُ الْعَذَابَ بِمَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَلَا يَسْمَعُونَهُ، وَبِمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ وَلَا يَتَأَمَّلُونَ حُجَجَ اللَّهِ بِأَعْيُنِهِمْ فَيَعْتَبِرُوا بِهَا‏.‏ قَالُوا‏:‏ وَ“ الْبَاءُ “ كَانَ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تَدْخُلَ، لِأَنَّهُ قَدْ قَالَ‏:‏ ‏{‏وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْبَقَرَةِ‏:‏ 10‏]‏، بِكَذِبِهِمْ، فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ التَّنْزِيلِ أُدْخِلَتْ فِيهِ “ الْبَاءُ “ وَسُقُوطُهَا جَائِزٌ فِي الْكَلَامِ كَقَوْلِكَ فِي الْكَلَامِ‏:‏ “ لَأَجْزِيَنَّكَ مَا عَلِمْتُ، وَبِمَا عَلِمْتُ “ وَهَذَا قَوْلٌ قَالَهُ بَعْضُ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا، مَا قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ مِنْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ وَصَفَهُمْ بِأَنَّهُمْ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يَسْمَعُوا الْحَقَّ سَمَاعَ مُنْتَفِعٍ، وَلَا يُبْصِرُونَهُ إِبْصَارَ مُهْتَدٍ، لِاشْتِغَالِهِمْ بِالْكُفْرِ الَّذِي كَانُوا عَلَيْهِ مُقِيمِينَ، عَنِ اسْتِعْمَالِ جَوَارِحِهِمْ فِي طَاعَةِ اللَّهِ، وَقَدْ كَانَتْ لَهُمْ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارٌ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏21‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ، هُمُ الَّذِينَ غَبَنُوا أَنْفُسَهُمْ حُظُوظَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ‏{‏وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ‏}‏، وَبَطَلَ كَذِبُهُمْ وَإِفْكُهُمْ وَفِرْيَتُهُمْ عَلَى اللَّهِ، بِادِّعَائِهِمْ لَهُ شُرَكَاءَ، فَسَلَكَ مَا كَانُوا يَدْعُونَهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ غَيْرَ مَسْلَكِهِمْ، وَأَخَذَ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِهِمْ، فَضَلَّ عَنْهُمْ، لِأَنَّهُ سَلَكَ بِهِمْ إِلَى جَهَنَّمَ، وَصَارَتْ آلَتُهُمْ عَدَمًا لَا شَيْءَ، لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي الدُّنْيَا حِجَارَةٌ أَوْ خَشَبًا أَوْ نُحَاسًا أَوْ كَانَ لِلَّهِ وَلِيًّا، فَسَلَكَ بِهِ إِلَى الْجَنَّةِ، وَذَلِكَ أَيْضًا غَيْرَ مَسْلَكِهِمْ، وَذَلِكَ أَيْضًا ضَلَالٌ عَنْهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏22‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ حَقًّا أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ الَّذِينَ قَدْ بَاعُوا مَنَازِلَهُمْ مِنَ الْجِنَانِ بِمَنَازِلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ مِنَ النَّارِ؛ وَذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ‏.‏

وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا مَضَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِمْ‏:‏ “ جَرَمْتُ “ كَسَبْتُ الذَّنْبَ وَ“ جَرَمْتُهُ “، وَأَنَّ الْعَرَبَ كَثُرَ اسْتِعْمَالُهَا إِيَّاهُ فِي مَوَاضِعِ الْأَيْمَانِ، وَفِي مَوَاضِعَ “ لَا بُدَّ “ كَقَوْلِهِمْ‏:‏ “ لَا جَرَمَ أَنَّكَ ذَاهِبٌ “، بِمَعْنَى‏:‏ “ لَا بُدَّ “ حَتَّى اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ التَّحْقِيقِ، فَقَالُوا‏:‏ “ لَا جَرَمَ لَتَقُومَنَّ “ بِمَعْنَى‏:‏ حَقًّا لَتَقُومَنَّ‏.‏ فَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ لَا مَنْعَ عَنْ أَنَّهُمْ، وَلَا صَدَّ عَنْ أَنَّهُمْ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏23‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ إِنَّ الَّذِينَ صَدَقُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وَعَمِلُوا فِي الدُّنْيَا بِطَاعَةِ اللَّهِ وَ“ أَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ “‏.‏

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى “ الْإِخْبَاتِ “‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَأَنَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي أَبِي عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ الْإِخْبَاتُ “، الْإِنَابَةُ

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَنَابُوا إِلَى رَبِّهِمْ

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَخَافُوا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ عَنْ عَلِيٍّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ خَافُوا

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ اطْمَأَنُّوا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عِيسَى وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَأَخْبَتُوا إِلَى رَبِّهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ اطْمَأَنُّوا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ خَشَعُوا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏وَأَخْبَتُوا إِلَي رَبِّهِمْ‏}‏، “ الْإِخْبَاتُ “ التَّخَشُّعُ وَالتَّوَاضُعُ

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ مُتَقَارِبَةُ الْمَعَانِي، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ أَلْفَاظُهَا، لِأَنَّ الْإِنَابَةَ إِلَى اللَّهِ مِنْ خَوْفِ اللَّهِ، وَمِنَ الْخُشُوعِ وَالتَّوَاضُعِ لِلَّهِ بِالطَّاعَةِ، وَالطُّمَأْنِينَةِ إِلَيْهِ مِنَ الْخُشُوعِ لَهُ، غَيْرَ أَنَّ نَفْسَ “ الْإِخْبَاتِ “، عِنْدَ الْعَرَبِ‏:‏ الْخُشُوعُ وَالتَّوَاضُعُ‏.‏

وَقَالَ‏:‏ ‏(‏إِلَى رَبِّهِمْ‏)‏، وَمَعْنَاهُ‏:‏ وَأَخْبَتُوا لِرَبِّهِمْ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ تَضَعُ “ اللَّامَ “ مَوْضِعَ “ إِلَى “ وَ“ إِلَى “ مَوْضِعَ “ اللَّامِ “ كثيًرا، كَمَا قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الزَّلْزَلَةِ‏:‏ 5‏]‏ بِمَعْنَى‏:‏ أَوْحَى إِلَيْهَا‏.‏ وَقَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ قِيلَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُمْ وَصَفُوا بِأَنَّهُمْ عَمَدُوا بِإِخْبَاتِهِمْ إِلَى اللَّهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَتُهُمْ، هُمْ سُكَّانُ الْجَنَّةِ الَّذِينَ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهَا وَلَا يَمُوتُونَ فِيهَا، وَلَكِنَّهُمْ فِيهَا لَابِثُونَ إِلَى غَيْرِ نِهَايَةٍ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏24‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ مَثَلُ فَرِيقَيِ الْكَفْرِ وَالْإِيمَانِ كَمَثَلِ الْأَعْمَى الَّذِي لَا يَرَى بِعَيْنِهِ شَيْئًا، وَالْأَصَمِّ الَّذِي لَا يَسْمَعُ شَيْئًا، فَكَذَلِكَ فَرِيقُ الْكَفْرِ لَا يُبَصِّرُ الْحَقَّ فَيَتَّبِعُهُ وَيَعْمَلُ بِهِ، لِشَغْلِهِ بِكُفْرِهِ بِاللَّهِ، وَغَلَبَةِ خِذْلَانِ اللَّهِ عَلَيْهِ، لَا يَسْمَعُ دَاعِي اللَّهِ إِلَى الرَّشَادِ، فَيُجِيبُهُ إِلَى الْهُدَى فَيَهْتَدِي بِهِ، فَهُوَ مُقِيمٌ فِي ضَلَالَتِهِ، يَتَرَدَّدُ فِي حَيْرَتِهِ‏.‏ وَالسَّمِيعُ وَالْبَصِيرُ فَذَلِكَ فَرِيقُ الْإِيمَانِ، أَبْصَرَ حُجَجَ اللَّهِ، وَأَقَرَّ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ مِنْ تَوْحِيدِ اللَّهِ، وَالْبَرَاءَةِ مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَنْدَادِ، وَنُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَسَمِعَ دَاعِيَ اللَّهِ فَأَجَابَهُ وَعَمِلَ بِطَاعَةِ اللَّهِ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ‏}‏، قَالَ‏:‏ “ الْأَعْمَى “ وَ“ الْأَصَمُّ “‏:‏ الْكَافِرُ وَ“ الْبَصِيرُ “ وَ“ السَّمِيعُ “، الْمُؤْمِنُ

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا شِبْلٌ عَنِ ابْنِ أَبِي نُجَيْحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ‏}‏، الْفَرِيقَانِ الْكَافِرَانِ، وَالْمُؤْمِنَانِ، فَأَمَّا الْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ فَالْكَافِرَانِ، وَأَمَّا الْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ فَهُمَا الْمُؤْمِنَانِ

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ‏}‏ الْآيَةَ، هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِلْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ، فَأَمَّا الْكَافِرُ فَصَمَّ عَنِ الْحَقِّ، فَلَا يَسْمَعُهُ، وَعَمِيَ عَنْهُ فَلَا يُبْصِرُهُ‏.‏ وَأَمَّا الْمُؤْمِنُ فَسَمِعَ الْحَقَّ فَانْتَفَعَ بِهِ، وَأَبْصَرَهُ فَوَعَاهُ وَحَفِظَهُ وَعَمِلَ بِهِ

يَقُولُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَلْ يَسْتَوِي هَذَانَ الْفَرِيقَانِ عَلَى اخْتِلَافِ حَالَتَيْهِمَا فِي أَنْفُسِهِمَا عِنْدَكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ‏؟‏ فَإِنَّهُمَا لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَكُمْ، فَكَذَلِكَ حَالُ الْكَافِرِ وَالْمُؤْمِنِ لَا يَسْتَوِيَانِ عِنْدَ اللَّهِ ‏{‏أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏، يَقُولُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ‏:‏ أَفَلَا تَعْتَبِرُونَ أَيُّهَا النَّاسُ وَتَتَفَكَّرُونَ، فَتَعْلَمُوا حَقِيقَةَ اخْتِلَافِ أَمْرِيْهِمَا، فَتَنْزَجِرُوا عَمَّا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الضَّلَالِ إِلَى الْهُدَى، وَمِنَ الْكُفْرِ إِلَى الْإِيمَانِ‏؟‏

فَالْأَعْمَى وَالْأَصَمُّ، وَالْبَصِيرُ وَالسَّمِيعُ، فِي اللَّفْظِ أَرْبَعَةٌ، وَفِي الْمَعْنَى اثْنَانِ‏.‏ وَلِذَلِكَ قِيلَ‏:‏ ‏{‏هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا‏}‏‏.‏

وَقِيلَ‏:‏ ‏{‏كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ‏}‏، وَالْمَعْنَى‏:‏ كَالْأَعْمَى الْأَصَمِّ، وَكَذَلِكَ قِيلَ ‏{‏وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ‏}‏، وَالْمَعْنَى‏:‏ الْبَصِيرُ السَّمِيعُ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ‏:‏ “ قَامَ الظَّرِيفُ وَالْعَاقِلُ “ وَهُوَ يَنْعَتُ بِذَلِكَ شَخْصًا وَاحِدًا‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏25- 26‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَقَدْ أَرْسَلَنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِقِصَّةَ نُوحٍ‏:‏ إِنِّي لَكُمْ، أَيُّهَا الْقَوْمُ، نَذِيرٌ مِنَ اللَّهِ، أَنْذَرَكُمْ بَأْسَهُ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ، فَآمِنُوا بِهِ وَأَطِيعُوا أَمْرَهُ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏مُبِينٌ‏)‏، يُبَيِّنُ لَكُمْ عَمَّا أُرْسِلَ بِهِ إِلَيْكُمْ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ وَنَهْيِهِ‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنِّي‏)‏‏.‏

فَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفَةِ وَبَعْضُ الْمَدَنِيِّينَ بِكَسْرِ “ إِنَّ “ عَلَى وَجْهِ الِابْتِدَاءِ إِذْ كَانَ فِي “ الْإِرْسَالِ “ مَعْنَى “ الْقَوْلِ “‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ بِفَتْحِ “ أَنَّ “ عَلَى إِعْمَالِ الْإِرْسَالِ فِيهَا، كَأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ عِنْدَهُمْ‏:‏ لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي، أَنْ يُقَالَ إِنَّهُمَا قِرَاءَتَانِ مُتَّفِقَتَا الْمَعْنَى، قَدْ قَرَأَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْقُرَّاءِ، فَبِأَيَّتِهِمَا قَرَأَ الْقَارِئُ كَانَ مُصِيبًا لِلصَّوَابِ فِي ذَلِكَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏}‏ فَمَنْ كَسَرَ الْأَلْفَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏إِنِّي‏)‏ جَعَلَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏(‏أَرْسَلْنَا‏)‏ عَامِلًا فِي “ أَنْ “ الَّتِي فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏}‏، وَيَصِيرُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ‏:‏ وَلَقَدْ أَرْسَلَنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ، أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ، وَقُلْ لَهُمْ‏:‏ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ‏,‏ وَمَنْ فَتَحَهَا رَدَّ “ أَنْ “ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏أَنْ لَا تَعْبُدُوا‏)‏ عَلَيْهَا‏.‏ فَيَكُونُ الْمَعْنَى حِينَئِذٍ‏:‏ لَقَدْ أَرْسَلَنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ بِأَنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ، بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ‏.‏

وَيَعْنِي بِقَوْلِهِ‏:‏ ‏[‏بِأَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ‏]‏ عِبَادَةَ الْآلِهَةِ وَالْأَوْثَانِ‏,‏ وَإِشْرَاكَهَا فِي عِبَادَتِهِ، وَأَفْرِدُوا اللَّهَ بِالتَّوْحِيدِ، وَأَخْلِصُوا لَهُ الْعِبَادَةَ، فَإِنَّهُ لَا شَرِيكَ لَهُ فِي خَلْقِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنِّي أَيُّهَا الْقَوْمُ، إِنْ لَمْ تَخُصُّوا اللَّهَ بِالْعِبَادَةِ، وَتُفْرِدُوهُ بِالتَّوْحِيدِ، وَتَخْلَعُوا مَا دَوَّنَهُ مِنَ الْأَنْدَادِ وَالْأَوْثَانِ أَخَافُ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ عَذَابَ يَوْمٍ مُؤْلِمٍ عِقَابُهُ وَعَذَابُهُ لِمَنْ عُذِّبَ فِيهِ‏.‏

وَجَعَلَ “ الْأَلِيمَ “ مِنْ صِفَةِ “ الْيَوْمِ “ وَهُوَ مِنْ صِفَةِ “ الْعَذَابِ “ إِذْ كَانَ الْعَذَابُ فِيهِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الْأَنْعَامِ‏:‏ 96‏]‏، وَإِنَّمَا “ السَّكَنُ “ مِنْ صِفَةِ مَا سَكَنَ فِيهِ دُونَ اللَّيْلِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏27‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِجَوَابُ قَوْمِ نُوحٍ عَلَيْهِ مَا نَرَاكَ إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ فَقَالَ الْكُبَرَاءُ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ وَأَشْرَافِهِمْ وَهُمْ ‏(‏الْمَلَأُ‏)‏، الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَجَحَدُوا نُبُوَّةَ نَبِيِّهِمْ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ ‏(‏مَا نَرَاكَ‏)‏، يَا نُوحُ ‏{‏إِلَّا بَشَرًا مِثْلَنَا‏}‏، يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّهُ آدَمِيٌّ مِثْلُهُمْ فِي الْخَلْقِ وَالصُّورَةِ وَالْجِنْسِ، كَأَنَّهُمْ كَانُوا مُنْكِرِينَ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُرْسِلُ مِنَ الْبَشَرِ رَسُولًا إِلَى خَلْقِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ سَفَلَتُنَا مِنَ النَّاسِ، دُونَ الْكُبَرَاءِ وَالْأَشْرَافِ، فِيمَا نَرَى وَيَظْهَرُ لَنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏، اخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَتِهِ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْمَدِينَةِ وَالْعِرَاقِ‏:‏ ‏{‏بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏، بِغَيْرِ هَمْزٍ “ الْبَادِي “ وَبِهَمْزِ “ الرَّأْيِ “ بِمَعْنَى‏:‏ ظَاهِرُ الرَّأْيِ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ بَدَا الشَّيْءُ يَبْدُوَ“، إِذَا ظَهَرَ، كَمَا قَالَ الرَّاجِزُ‏:‏

أَضْحَى لِخَالِي شَبَهِيَ بَادِي بَدِي *** وَصَارَ لِلْفَحْلِ لِسَانِي وَيَدِي

“ بَادِي بَدِي “ بِغَيْرِ هَمْزٍ، وَقَالَ آخَرُ‏:‏

وَقَدْ عَلَتْنِي ذُرْأَةٌ بَادِي بَدِي ***

وَقَرَأَ ذَلِكَ بَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ‏:‏ ‏{‏بَادِئَ الرَّأْيِ‏}‏، مَهْمُوزًا أَيْضًا، بِمَعْنَى‏:‏ مُبْتَدَأُ الرَّأْيِ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ بَدَأَتْ بِهَذَا الْأَمْرِ “ إِذَا ابْتَدَأَتْ بِهِ قَبْلَ غَيْرِهِ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ بِالصَّوَابِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ‏:‏ ‏{‏بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏ بِغَيْرِ هَمْزٍ “ الْبَادِي “ وَبِهَمْزِ “ الرَّأْيِ “ لِأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ الْكَلَامِ‏:‏ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا، فِي ظَاهِرِ الرَّأْيِ، وَفِيمَا يَظْهَرُ لَنَا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَرَى لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا نَتَبَيَّنُ لَكُمْ عَلَيْنَا مِنْ فَضْلٍ نِلْتُمُوهُ بِمُخَالَفَتِكُمْ إِيَّانَا فِي عِبَادَةِ الْأَوْثَانِ إِلَى عِبَادَةِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعُبُودَةِ لَهُ، فَنَتَّبِعُكُمْ طَلَبَ ذَلِكَ الْفَضْلِ، وَابْتِغَاءَ مَا أَصَبْتُمُوهُ بِخِلَافِكُمْ إِيَّانَا ‏{‏بَلْ نَظُنُّكُمْ كَاذِبِينَ‏}‏‏.‏

وَهَذَا خُطَّابٌ مِنْهُمْ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ إِنَّمَا كَذَّبُوا نُوحًا دُونَ أَتْبَاعِهِ، لِأَنَّ أَتْبَاعَهُ لَمْ يَكُونُوا رُسُلًا‏.‏ وَأَخْرَجَ الْخِطَابَ وَهُوَ وَاحِدٌ مَخْرَجَ خَطَّابِ الْجَمِيعِ، كَمَا قِيلَ‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ‏}‏، ‏[‏سُورَةَ الطَّلَاقِ‏:‏ 1‏]‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ‏:‏ بَلْ نَظُنُّكَ، يَا نُوحٌ، فِي دَعْوَاكَ أَنَّ اللَّهَ ابْتَعَثَكَ إِلَيْنَا رَسُولًا كَاذِبًا‏.‏

وَبِنَحْوِ مَا قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ‏{‏بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا نَرَاكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأْيِ‏}‏، قَالَ‏:‏ فِيمَا ظَهَرَ لَنَا

تفسير الآية رقم ‏[‏28‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِفَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبَرًا عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ إِذْ كَذَّبُوهُ، وَرَدُّوا عَلَيْهِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مِنَ النَّصِيحَةِ‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي‏}‏، عَلَى عِلْمٍ وَمَعْرِفَةٍ وَبَيَانٍ مِنَ اللَّهِ لِي مَا يَلْزَمُنِي لَهُ، وَيَجِبُ عَلَيَّ مِنْ إِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ وَتَرْكِ إِشْرَاكِ الْأَوْثَانِ مَعَهُ فِيهَا ‏{‏وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَرَزَقَنِي مِنْهُ التَّوْفِيقَ وَالنُّبُوَّةَ وَالْحِكْمَةَ، فَآمَنْتُ بِهِ وَأَطَعْتُهُ فِيمَا أَمَرَنِي وَنَهَانِي ‏{‏فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ‏.‏

فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَبَعْضُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ وَالْكُوفَةِ‏:‏ ‏(‏فَعَمِيَتْ‏)‏ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَتَخْفِيفِ الْمِيمِ، بِمَعْنَى‏:‏ فَعَمِيَتِ الرَّحْمَةُ عَلَيْكُمْ فَلَمْ تَهْتَدُوا لَهَا، فَتُقِرُّوا بِهَا، وَتُصَدِّقُوا رَسُولَكُمْ عَلَيْهَا‏.‏

وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ‏:‏ ‏{‏فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ‏}‏ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ، اعْتِبَارًا مِنْهُمْ ذَلِكَ بِقِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ وَذَلِكَ أَنَّهَا فِيمَا ذَكَرَ فِي قِرَاءَةِ عَبْدِ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَعَمَّاهَا عَلَيْكُمْ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَهُ‏:‏ ‏{‏فَعُمِّيَتْ عَلَيْكُمْ‏}‏ بِضَمِّ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ لِلَّذِي ذَكَرُوا مِنَ الْعِلَّةِ لِمَنْ قَرَأَ بِهِ، وَلِقُرْبِهِ مِنْ قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ‏}‏، فَأَضَافَ “ الرَّحْمَةَ “ إِلَى اللَّهِ، فَكَذَلِكَ “ تَعْمِيَتُهُ عَلَى الْآخَرِينَ “ بِالْإِضَافَةِ إِلَيْهِ أُولَى‏.‏

وَهَذِهِ الْكَلِمَةُ مِمَّا حَوَّلَتِ الْعَرَبُ الْفِعْلَ عَنْ مَوْضِعِهِ‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ الَّذِي يَعْمَى عَنْ إِبْصَارِ الْحَقِّ، إِذْ يَعْمَى عَنْ إِبْصَارِهِ، وَ“ الْحَقُّ “ لَا يُوصَفُ بِالْعَمَى، إِلَّا عَلَى الِاسْتِعْمَالِ الَّذِي قَدْ جَرَى بِهِ الْكَلَامُ‏.‏ وَهُوَ فِي جَوَازِهِ لِاسْتِعْمَالِ الْعَرَبِ إِيَّاهُ نَظِيرُ قَوْلِهِمْ‏:‏ “ دَخَلَ الْخَاتَمُ فِي يَدِي، وَالْخُفُّ فِي رِجْلِي “ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الرِّجْلَ هِيَ الَّتِي تَدْخُلُ فِي الْخُفِّ، وَالْإِصْبَعَ فِي الْخَاتَمِ، وَلَكِنَّهُمُ اسْتَعْمَلُوا ذَلِكَ كَذَلِكَ، لِمَا كَانَ مَعْلُومًا الْمُرَادُ فِيهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏أَنُلْزِمُكُمُوهَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَنَأْخُذُكُمْ بِالدُّخُولِ فِي الْإِسْلَامِ، وَقَدْ عَمَّاهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ‏{‏وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَنْتُمْ لِإِلْزَامِنَاكُمُوهَا “ كَارِهُونَ “، يَقُولُ‏:‏ لَا نَفْعَلُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ نَكِلُ أَمْرَكُمْ إِلَى اللَّهِ، حَتَّى يَكُونَ هُوَ الَّذِي يَقْضِي فِي أَمْرِكُمْ مَا يَرَى وَيَشَاءُ‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ نُوحٌ‏:‏ ‏{‏يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي‏}‏، قَالَ‏:‏ قَدْ عَرَفِتُهَا، وَعَرَفْتُ بِهَا أَمْرَهُ، وَأَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ‏{‏وَآتَانِي رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ‏}‏، الْإِسْلَامَ وَالْهُدَى وَالْإِيمَانَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي‏}‏ الْآيَةَ، أَمَا وَاللَّهِ لَوِ اسْتَطَاعَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَأَلْزَمَهَا قَوْمَهُ، وَلَكِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ ذَلِكَ وَلَمْ يَمْلِكْهُ

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا أَبِي قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ دَاوُدَ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ قَالَ‏:‏ فِي قِرَاءَةِ أُبَيٍّ‏:‏ ‏{‏أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ قَالَ‏:‏ أَخْبَرْنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ‏:‏ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ عَبْدُ اللَّهِ‏:‏ “ مِنْ شَطْرِ أَنْفُسِنَا “، مِنْ تِلْقَاءِ أَنْفُسِنَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ‏:‏ ‏{‏أَنُلْزِمُكُمُوهَا مِنْ شَطْرِ قُلُوبِنَا وَأَنْتُمْ لَهَا كَارِهُونَ‏}‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏29‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالَا إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَهَذَا أَيْضًا خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ عَنْ قِيلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ، أَنَّهُ قَالَ لَهُمْ‏:‏ يَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَى نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَدَعَايَتِكُمْ إِلَى تَوْحِيدِ اللَّهِ وَإِخْلَاصِ الْعِبَادَةِ لَهُ، مَالًا أَجْرًا عَلَى ذَلِكَ، فَتَتَّهِمُونِي فِي نَصِيحَتِي، وَتَظُنُّونَ أَنَّ فِعْلِي ذَلِكَ طَلَبُ عَرَضٍ مِنْ أَعْرَاضِ الدُّنْيَا ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مَا ثَوَابُ نَصِيحَتِي لَكُمْ، وَدَعَايَتِكُمْ إِلَى مَا أَدْعُوكُمْ إِلَيْهِ، إِلَّا عَلَى اللَّهِ، فَانْهُ هُوَ الَّذِي يُجَازِينِي، وَيُثِيبُنِي عَلَيْهِ ‏{‏وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا‏}‏، وَمَا أَنَا بِمُقْصٍ مِنْ آمَنَ بِاللَّهِ،

وَأَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّتِهِ، وَخَلَعَ الْأَوْثَانَ وَتَبَرَّأَ مِنْهَا، بِأَنْ لَمْ يَكُونُوا مِنْ عِلْيَتِكُمْ وَأَشْرَافِكُمْ ‏{‏إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَسْأَلُونِي طَرْدَهُمْ، صَائِرُونَ إِلَى اللَّهِ، وَاللَّهُ سَائِلُهُمْ عَمَّا كَانُوا فِي الدُّنْيَا يَعْمَلُونَ، لَا عَنْ شَرَفِهِمْ وَحَسَبِهِمْ‏.‏

وَكَانَ قَيْلُ نُوحٍ ذَلِكَ لِقَوْمِهِ، لِأَنَّ قَوْمَهُ قَالُوا لَهُ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏، قَالَ‏:‏ قَالُوا لَهُ‏:‏ يَا نُوحُ، إِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ نَتَّبِعَكَ فَاطْرُدْهُمْ، وَإِلَّا فَلَنْ نَرْضَى أَنْ نَكُونَ نَحْنُ وَهُمْ فِي الْأَمْرِ سَوَاءً‏.‏ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُمْ مُلَاقُو رَبِّهِمْ‏}‏، فَيَسْأَلُهُمْ عَنْ أَعْمَالِهِمْ

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، وَحَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ جَمِيعًا، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ‏}‏، قَالَ‏:‏ جَزَائِيَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَكِنِّي أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَكِنِّي، أَيُّهَا الْقَوْمُ، أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ الْوَاجِبَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَقِّ اللَّهِ، وَاللَّازِمِ لَكُمْ مِنْ فَرَائِضِهِ‏.‏ وَلِذَلِكَ مِنْ جَهْلِكُمْ سَأَلْتُمُونِي أَنْ أَطْرُدَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏30‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ طَرَدْتُّهُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ مَنْ يَنْصُرُنِي‏}‏ فَيَمْنَعُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ هُوَ عَاقَبَنِي عَلَى طَرْدِي الْمُؤْمِنِينَ الْمُوَحِّدِينَ اللَّهَ ‏,‏ إِنْ طَرَدْتُّهُمْ‏؟‏ ‏{‏أَفَلَا تَذَكَّرُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ أَفَلَا تَتَفَكَّرُونَ فِيمَا تَقُولُونَ‏:‏ فَتَعْلَمُونَ خَطَأَهُ، فَتَنْتَهُوا عَنْهُ‏؟‏‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏31‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ‏}‏، عُطِفَ عَلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏‏.‏

وَمَعْنَى الْكَلَامِ‏:‏ ‏{‏وَيَا قَوْمِ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا‏}‏، ‏{‏وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ‏}‏، الَّتِي لَا يُفْنِيهَا شَيْءٌ، فَأَدْعُوكُمْ إِلَى اتِّبَاعِي عَلَيْهَا‏.‏ وَلَا أَعْلَمُ أَيْضًا الْغَيْبَ يَعْنِي‏:‏ مَا خَفِيَ مِنْ سَرَائِرِ الْعِبَادِ، فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ فَأَدَّعِي الرُّبُوبِيَّةَ وَأَدْعُوكُمْ إِلَى عِبَادَتِي‏.‏وَلَا أَقُولُ أَيْضًا‏:‏ إِنِّي مَلَكٌ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، أُرْسِلْتُ إِلَيْكُمْ، فَأَكُونُ كَاذِبًا فِي دَعْوَايَ ذَلِكَ، بَلْ أَنَا بَشَرٌ مَثَلُكُمْ كَمَا تَقُولُونَ، أُمِرْتُ بِدُعَائِكُمْ إِلَى اللَّهِ، وَقَدْ أَبْلَغَتْكُمْ مَا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ ‏{‏وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أَعْيُنُكُمْ لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا أَقُولُ لِلَّذِينِ اتَّبَعُونِي وَآمَنُوا بِاللَّهِ وَوَحَّدُوهُ، الَّذِينَ تَسْتَحْقِرُهُمْ أَعْيُنُكُمْ، وَقُلْتُمْ‏:‏ إِنَّهُمْ أَرَاذِلُكُمْ ‏{‏لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا‏}‏، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ بِاللَّهِ ‏{‏اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا فِي أَنْفُسِهِمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ اللَّهُ أَعْلَمُ بِضَمَائِرِ صُدُورِهِمْ، وَاعْتِقَادِ قُلُوبِهِمْ، وَهُوَ وَلِيُّ أَمْرِهِمْ فِي ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لِي مِنْهُمْ مَا ظَهَرَ وَبَدَا، وَقَدْ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَاتَّبَعُونِي، فَلَا أَطْرُدُهُمْ وَلَا أَسْتَحِلُّ ذَلِكَ ‏{‏إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنِّي إِنْ قُلْتُ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِيمَانَ بِاللَّهِ وَتَصْدِيقِي‏:‏ ‏{‏لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا‏}‏، وَقَضَيْتُ عَلَى سَرَائِرِهِمْ بِخِلَافِ مَا أَبْدَتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ لِي عَلَى غَيْرِ عِلْمٍ مِنِّي بِمَا فِي نُفُوسِهِمْ، وَطَرَدْتُّهُمْ بِفِعْلِي ذَلِكَ، لَمِنَ الْفَاعِلِينَ مَا لَيْسَ لَهُمْ فِعْلُهُ، الْمُعْتَدِينَ مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِهِ، وَذَلِكَ هُوَ ‏"‏الظُّلْمُ‏"‏‏.‏

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ‏}‏ الَّتِي لَا يُفْنِيهَا شَيْءٌ، فَأَكُونُ إِنَّمَا أَدْعُوكُمْ لِتَتْبَعُونِي عَلَيْهَا لِأُعْطِيَكُمْ مِنْهَا وَلَا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ نَزَلْتُ مِنَ السَّمَاءِ بِرِسَالَةٍ، مَا أَنَا إِلَّا بَشَرٌ مُثُلُكُمْ‏.‏ ‏{‏وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ‏}‏، وَلَا أَقُولُ اتَّبِعُونِي عَلَى عِلْمِ الْغَيْبِ‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏32‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتِنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ قَوْمُ نُوحٍ لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ‏:‏ قَدْ خَاصَمْتَنَا فَأَكْثَرْتَ خُصُومَتَنَا، فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا مِنَ الْعَذَابِ، إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ فِي عِدَاتِكَ وَدَعْوَاكَ أَنَّكَ لِلَّهِ رَسُولٌ‏.‏ يَعْنِي‏:‏ بِذَلِكَ أَنَّهُ لَنْ يَقْدِرَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏جَادَلْتَنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَارَيْتَنَا‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مَثْلَهُ‏.‏

وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مَثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏{‏قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ مَارَيْتَنَا ‏{‏فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا‏}‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ تَكْذِيبًا بِالْعَذَابِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ ‏{‏فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا‏}‏، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ تَكْذِيبًا بِالْعَذَابِ، وَأَنَّهُ بَاطِلٌ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏33- 34‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ قَالَ نُوحٌ لِقَوْمِهِ حِينَ اسْتَعْجَلُوهُ الْعَذَابَ‏:‏ يَا قَوْمِ، لَيْسَ الَّذِي تَسْتَعْجِلُونَ مِنَ الْعَذَابِ إِلَيَّ، إِنَّمَا ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ لَا إِلَى غَيْرِهِ، هُوَ الَّذِي يَأْتِيكُمْ بِهِ إِنْ شَاءَ ‏{‏وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ‏}‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَسْتُمْ إِذَا أَرَادَ تَعْذِيبَكُمْ بِمُعْجِزِيهِ، أَيْ بِفَائِتِيهِ هَرَبًا مِنْهُ، لِأَنَّكُمْ حَيْثُ كُنْتُمْ فِي مُلْكِهِ وَسُلْطَانِهِ وَقُدْرَتِهِ، حُكْمُهُ عَلَيْكُمْ جَارٍ ‏{‏وَلَا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَلَا يَنْفَعُكُمْ تَحْذِيرِي عُقُوبَتَهُ، وَنُزُولُ سَطْوَتِهِ بِكُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ بِهِ ‏{‏إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ‏}‏، فِي تَحْذِيرِي إِيَّاكُمْ ذَلِكَ، لِأَنَّ نُصْحِي لَا يَنْفَعُكُمْ، لِأَنَّكُمْ لَا تَقْبَلُونَهُ‏.‏ ‏{‏إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِنْ كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يُهْلِكَكُمْ بِعَذَابِهِ ‏{‏هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَإِلَيْهِ تُرَدُّونَ بَعْدَ الْهَلَاكِ‏.‏

حُكِيَ عَنْ طَيِّئٍ أَنَّهَا تَقُولُ‏:‏ ‏"‏أَصْبَحَ فُلَانٌ غَاوِيًا‏"‏‏:‏ أَيْ مَرِيضًا‏.‏

وَحُكِيَ عَنْ غَيْرِهِمْ سَمَاعًا مِنْهُمْ‏:‏ ‏"‏أَغْوَيْتُ فُلَانًا‏"‏، بِمَعْنَى أَهْلَكْتُهُ وَ‏"‏غَوِيَ الْفَصِيلُ‏"‏، إِذَا فَقَدَ اللَّبَنَ فَمَاتَ‏.‏

وَذَكَرَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ‏:‏ ‏{‏فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ مَرْيَمَ‏:‏ 59‏]‏، أَيْ هَلَاكًا‏.‏

تفسير الآية رقم ‏[‏35‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ أَيَقُولُ يَا مُحَمَّدُ هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ مِنْ قَوْمِكَ‏:‏ افْتَرَى مُحَمَّدٌ هَذَا الْقُرْآنَ‏؟‏ وَهَذَا الْخَبَرُ عَنْ نُوحٍ‏؟‏ قُلْ لَهُمْ‏:‏ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَتَخَرَّصْتُهُ وَاخْتَلَقْتُهُ

‏{‏فَعَلَيَّ إِجْرَامِي‏}‏ يَقُولُ‏:‏ فَعَلَيَّ إِثْمِي فِي افْتِرَائِي مَا افْتَرَيْتُ عَلَى رَبِّي دُونَكُمْ، لَا تُؤَاخَذُونَ بِذَنْبِي وَلَا إِثْمِيَ، وَلَا أُؤَاخَذُ بِذَنْبِكُمْ‏.‏ ‏{‏وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُذْنِبُونَ وَتَأْثَمُونَ بِرَبِّكُمْ، مِنَ افْتِرَائِكُمْ عَلَيْهِ‏.‏

وَيُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏أَجْرَمْتُ إِجْرَامًا‏"‏، وَ‏"‏جَرَمْتُ أُجْرِمُ جَرْمًا‏"‏، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ‏:‏

طَرِيدُ عَشِيرَةٍ وَرَهِينُ ذَنْبٍ *** بِمَا جَرَمَتْ يَدِي وَجَنَى لِسَانِي

تفسير الآية رقم ‏[‏36‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ، لَمَّا حَقَّ عَلَى قَوْمِهِ الْقَوْلُ، وَأَظَلَّهُمْ أَمْرُ اللَّهِ، أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ، يَا نُوحُ، بِاللَّهِ فَيُوَحِّدَهُ، وَيَتْبَعَكَ عَلَى مَا تَدْعُوهُ إِلَيْهِ ‏{‏مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ‏}‏، فَصَدَّقَ بِذَلِكَ وَاتَّبَعَكَ‏.‏ ‏{‏فَلَا تَبْتَئِسْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَسْتَكِنْ وَلَا تَحْزَنْ ‏{‏بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، فَإِنِّي مُهْلِكُهُمْ، وَمُنْقِذُكَ مِنْهُمْ وَمَنِ اتَّبَعَكَ‏.‏ وَأَوْحَى اللَّهُ ذَلِكَ إِلَيْهِ، بَعْدَ مَا دَعَا عَلَيْهِمْ نُوحٌ بِالْهَلَاكِ فَقَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ نُوحٍ‏:‏ 26‏]‏‏.‏

وَهُوَ ‏"‏تَفْتَعِلُ‏"‏ مِنَ ‏"‏الْبُؤْسِ‏"‏، يُقَالُ‏:‏ ‏"‏ابْتَأَسَ فَلَانٌ بِالْأَمْرِ يَبْتَئِسُ ابْتِئَاسًا‏"‏‏:‏ كَمَا قَالَ لَبِيدُ بْنُ رَبِيعَةَ‏:‏

فِي مَأْتَمٍ كَنِعَاجِ صَا *** رَةَ يَبْتَئِسْنَ بِمَا لَقَيْنَا

وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَبْتَئِسْ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَحْزَنْ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبَى نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَحْزَنْ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ‏}‏، قَالَ‏:‏ لَا تَأْسَ وَلَا تَحْزَنْ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشَرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ‏}‏، وَذَلِكَ حِينَ دَعَا عَلَيْهِمْ قَالَ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا‏}‏، ‏[‏سُورَةُ نُوحٍ‏:‏ 26‏]‏ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏فَلَا تَبْتَئِسْ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ فَلَا تَأْسَ وَلَا تَحْزَنْ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ‏}‏، فَحِينَئِذٍ دَعَا عَلَى قَوْمِهِ، لَمَّا بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ

تفسير الآية رقم ‏[‏37‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَأُوحِيَ إِلَيْهِ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، وَأَنْ ‏"‏اصْنَعِ الْفُلْكَ‏"‏، وَهُوَ السَّفِينَةُ، كَمَا‏:‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ الْفُلْكُ‏:‏ السَّفِينَةُ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏بِأَعْيُنِنَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ كَمَا يَأْمُرُكَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا‏}‏، وَذَلِكَ أَنَّهُ لَمْ يُعَلَّمْ كَيْفَ صَنْعَةُ الْفُلْكِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنْ يَصْنَعَهَا عَلَى مِثْلِ جُؤْجُؤِ الطَّائِرِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏(‏وَوَحْيِنَا‏)‏، قَالَ‏:‏ كَمَا نَأْمُرُكَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا‏}‏، كَمَا نَأْمُرُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ، عَنْ اِبْنِ عَبَّاسٍ‏:‏ ‏{‏وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِعَيْنِ اللَّهِ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ مُجَاهِدٌ‏:‏ ‏(‏وَوَحْيِنَا‏)‏، قَالَ‏:‏ كَمَا نَأْمُرُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ ثَوْرٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا‏}‏، قَالَ‏:‏ بِعَيْنِ اللَّهِ وَوَحْيِهِ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ‏}‏، يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَلَا تَسْأَلُنِي فِي الْعَفْوِ عَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ مِنْ قَوْمِكَ، فَأَكْسَبُوهَا تَعَدِّيًا مِنْهُمْ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ بِاللَّهِ الْهَلَاكُ بِالْغَرَقِ، إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ بِالطُّوفَانِ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَلَا تُخَاطِبْنِي‏}‏، قَالَ‏:‏ يَقُولُ‏:‏ وَلَا تُرَاجِعْنِي‏.‏ قَالَ‏:‏ تَقَدَّمَ أَنْ لَا يَشْفَعَ لَهُمْ عِنْدَهُ‏.‏

تفسير الآيات رقم ‏[‏38- 40‏]‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ قَالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ‏:‏ وَيَصْنَعُ نُوحٌ السَّفِينَةَ، وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ جَمَاعَةٌ مِنْ كُبَرَاءِ قَوْمِهِ ‏{‏سَخِرُوا مِنْهُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ هَزِئُوا مِنْ نُوحٍ، وَيَقُولُونَ لَهُ‏:‏ أَتَحَوَّلْتَ نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ، وَتَعْمَلُ السَّفِينَةَ فِي الْبَرِّ‏؟‏ فَيَقُولُ لَهُمْ نُوحٌ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا‏}‏، إِنْ تَهْزَءُوا مِنَّا الْيَوْمَ، فَإِنَّا نَهْزَأُ مِنْكُمْ فِي الْآخِرَةِ، كَمَا تَهْزَءُونَ مِنَّا فِي الدُّنْيَا ‏{‏فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏، إِذَا عَايَنْتُمْ عَذَابَ اللَّهِ، مَنِ الَّذِي كَانَ إِلَى نَفْسِهِ مُسِيئًا مِنَّا‏.‏

وَكَانَتْ صَنْعَةُ نُوحٍ السَّفِينَةَ، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى وَصَالِحُ بْنُ مِسْمَارٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ، أَخْبَرَنَا مُوسَى بْنُ يَعْقُوبَ قَالَ، حَدَّثَنِي فَائِدٌ مَوْلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي رَافِعٍ‏:‏ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ، أَخْبَرَهُ‏:‏ أَنَّ عَائِشَة زوْجُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَتْهُ‏:‏ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لَوْ رَحِمَ اللَّهُ أَحَدًا مِنْ قَوْمِ نُوحٍ لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ‏!‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ كَانَ نُوحٌ مَكَثَ فِي قَوْمِهِ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا يَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، حَتَّى كَانَ آخِرَ زَمَانِهِ غَرْسُ شَجَرَةٍ، فَعَظُمَتْ وَذَهَبَتْ كُلَّ مَذْهَبٍ، ثُمَّ قَطَعَهَا، ثُمَّ جَعَلَ يَعْمَلُ سَفِينَةً، وَيَمُرُّونَ فَيَسْأَلُونَهُ، فَيَقُولُ‏:‏ أَعْمَلُهَا سَفِينَةً‏!‏ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَقُولُونَ‏:‏ تَعْمَلُ سَفِينَةً فِي الْبَرِّ فَكَيْفَ تَجْرِي‏!‏ فَيَقُولُ‏:‏ سَوْفَ تَعْلَمُونَ‏.‏ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا، وَفَارَ التَّنُّورُ، وَكَثُرَ الْمَاءُ فِي السِّكَكِ، خَشِيَتْ أُمُ الصَّبِيِّ عَلَيْهِ، وَكَانَتْ تُحِبُّهُ حُبًّا شَدِيدًا، فَخَرَجَتْ إِلَى الْجَبَلِ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلُثَهُ‏.‏ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ حَتَّى بَلَغَتْ ثُلْثَيِ الْجَبَلِ‏.‏ فَلَمَّا بَلَغَهَا الْمَاءُ خَرَجَتْ، حَتَّى اسْتَوَتْ عَلَى الْجَبَلِ، فَلَمَّا بَلَغَ الْمَاءُ رَقَبَتَهَا رَفَعَتْهُ بَيْنَ يَدَيْهَا، حَتَّى ذَهَبَ بِهَا الْمَاءُ‏.‏ فَلَوْ رَحِمَ اللَّهُ مِنْهُمْ أَحَدًا لَرَحِمَ أُمَّ الصَّبِيِّ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ‏:‏ ذَكَرَ لَنَا أَنَّ طُولَ السَّفِينَةِ ثَلَاثُمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَعَرَضَهَا خَمْسُونَ ذِرَاعًا، وَطُولَهَا فِي السَّمَاءِ ثَلَاثُونَ ذِرَاعًا، وَبَابُهَا فِي عَرْضِهَ

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا مُبَارَكٌ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ‏:‏ كَانَ طُولُ سَفِينَةِ نُوحٍ أَلْفَ ذِرَاعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرَضُهَا سِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنْ مُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ لِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ‏:‏ لَوْ بَعَثْتَ لَنَا رَجُلًا شَهِدَ السَّفِينَةَ فَحَدَّثَنَا عَنْهَا‏!‏ قَالَ‏:‏ فَانْطَلَقَ بِهِمْ حَتَّى انْتَهَى بِهِمْ إِلَى كَثِيبٍ مِنْ تُرَابٍ، فَأَخَذَ كَفًّا مِنْ ذَلِكَ التُّرَابِ بِكَفِّهِ، قَالَ‏:‏ أَتُدْرُونَ مَا هَذَا‏؟‏ قَالُوا‏:‏ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ‏.‏ قَالَ‏:‏ هَذَا كَعْبُ حَامِ بْنِ نُوحٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَضَرَبَ الْكَثِيبَ بِعَصَاهُ، قَالَ‏:‏ قُمْ بِإِذْنِ اللَّهِ‏!‏ فَإِذَا هُوَ قَائِمٌ يَنْفُضُ التُّرَابَ عَنْ رَأْسِهِ قَدْ شَابَ، قَالَ لَهُ عِيسَى‏:‏ هَكَذَا هَلَكْتَ‏؟‏ قَالَ‏:‏ لَا وَلَكِنْ مِتُّ وَأَنَا شَابٌّ، وَلَكِنِّي ظَنَنْتُ أَنَّهَا السَّاعَةُ، فَمِنْ ثَمَّ شِبْتُ‏.‏ قَالَ‏:‏ حَدِّثْنَا عَنْ سَفِينَةِ نُوحٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ كَانَ طُولُهَا أَلْفَ ذَرْعٍ وَمِائَتَيْ ذِرَاعٍ، وَعَرَضُهَا سِتَّمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَكَانَتْ ثَلَاثَ طَبَقَاتٍ، فَطَبَقَةً فِيهَا الدَّوَابُّ وَالْوَحْشُ، وَطَبَقَةً فِيهَا الْإِنْسُ، وَطَبَقَةً فِيهَا الطَّيْرُ‏.‏ فَلَمَّا كَثُرَ أَرْوَاثُ الدَّوَابِّ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اغْمِزْ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَغَمْزَهُ فَوَقَعَ مِنْهُ خِنْزِيرٌ وَخِنْزِيرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الرَّوْثِ‏.‏ فَلَمَّا وَقَعَ الْفَأْرُ بِجَرَزِ السَّفِينَةِ يُقْرِضُهُ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى نُوحٍ أَنِ اضْرِبْ بَيْنَ عَيْنَيِ الْأَسَدِ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرِهِ سِنَّوْرٌ وَسِنَّوْرَةٌ، فَأَقْبَلَا عَلَى الْفَأْرِ، فَقَالَ لَهُ عِيسَى‏:‏ كَيْفَ عَلِمَ نُوحٌ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ‏؟‏ قَالَ‏:‏ بَعَثَ الْغُرَابَ يَأْتِيهِ بِالْخَبَرِ، فَوَجَدَ جِيفَةً فَوَقَعَ عَلَيْهَا، فَدَعَا عَلَيْهِ بِالْخَوْفِ، فَلِذَلِكَ لَا يَأْلَفُ الْبُيُوتَ قَالَ‏:‏ ثُمَّ بَعَثَ الْحَمَامَةَ فَجَاءَتْ بِوَرَقِ زَيْتُونٍ بِمِنْقَارِهَا وَطِينٍ بِرِجْلَيْهَا، فَعَلِمَ أَنَّ الْبِلَادَ قَدْ غَرِقَتْ قَالَ‏:‏ فَطَوَّقَهَا الْخُضْرَةَ الَّتِي فِي عُنُقِهَا، وَدَعَا لَهَا أَنْ تَكُونَ فِي أُنْسٍ وَأَمَانٍ، فَمِنْ ثَمَّ تَأْلَفُ الْبُيُوتَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَّا نَنْطَلِقُ بِهِ إِلَى أَهْلِينَا، فَيَجْلِسُ مَعَنَا، وَيُحَدِّثُنَا‏؟‏ قَالَ‏:‏ كَيْفَ يَتْبَعُكُمْ مَنْ لَا رِزْقَ لَهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَقَالَ لَهُ‏:‏ عُدْ بِإِذْنِ اللَّهِ، قَالَ‏:‏ فَعَادَ تُرَابًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَمَّنْ لَا يُتَّهَمُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ اللَّيْثِيِّ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَبْطِشُونَ بِهِ يَعْنِي قَوْمَ نُوحٍ فَيَخْنُقُونَهُ حَتَّى يُغْشَى عَلَيْهِ، فَإِذَا أَفَاقَ قَالَ‏:‏ ‏"‏اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ‏"‏، حَتَّى إِذَا تَمَادَوْا فِي الْمَعْصِيَةِ، وَعَظُمَتْ فِي الْأَرْضِ مِنْهُمُ الْخَطِيئَةُ، وَتَطَاوَلَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الشَّأْنُ، وَاشْتَدَّ عَلَيْهِ مِنْهُمُ الْبَلَاءُ، وَانْتُظِرَ النَّجْلُ بَعْدَ النَّجْلِ، فَلَا يَأْتِي قَرْنٌ إِلَّا كَانَ أَخْبَثَ مِنَ الْقَرْنِ الَّذِي قَبْلَهُ، حَتَّى إِنْ كَانَ الْآخَرُ مِنْهُمْ لِيَقُولَ‏:‏ ‏"‏قَدْ كَانَ هَذَا مَعَ آبَائِنَا وَمَعَ أَجْدَادِنَا هَكَذَا مَجْنُونًا‏"‏‏!‏ لَا يَقْبَلُونَ مِنْهُ شَيْئًا‏.‏ حَتَّى شَكَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِهِمْ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي كِتَابِهِ‏:‏ ‏{‏رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلًا وَنَهَارًا فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا‏}‏، إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ، حَتَّى قَالَ‏:‏ ‏{‏رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا‏}‏، إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ ‏[‏سُورَةُ نُوحٍ‏:‏ 28‏]‏‏.‏ فَلَمَّا شَكَا ذَلِكَ مِنْهُمْ نُوحٌ إِلَى اللَّهِ وَاسْتَنْصَرَهُ عَلَيْهِمْ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ ‏{‏أَنِ اصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا‏}‏، أَيْ‏:‏ بَعْدَ الْيَوْمِ، ‏{‏إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ‏}‏‏.‏ فَأَقْبَلَ نُوحٌ عَلَى عَمَلِ الْفُلْكِ، وَلَهِيَ عَنْ قَوْمِهِ، وَجَعَلَ يَقْطَعُ الْخَشَبَ، وَيَضْرِبُ الْحَدِيدَ، وَيُهَيِّئُ عِدَّةَ الْفُلْكِ مِنَ الْقَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُصْلِحُهُ إِلَّا هُوَ، وَجَعَلَ قَوْمُهُ يَمُرُّونَ بِهِ وَهُوَ فِي ذَلِكَ مِنْ عَمَلِهِ، فَيَسْخَرُونَ مِنْهُ وَيَسْتَهْزِئُونَ بِهِ، فَيَقُولُ‏:‏ ‏{‏إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَيَقُولُونَ فِيمَا بَلَغَنِي‏:‏ يَا نُوحُ قَدْ صِرْتَ نَجَّارًا بَعْدَ النُّبُوَّةِ‏!‏ قَالَ‏:‏ وَأَعْقَمَ اللَّهُ أَرْحَامَ النِّسَاءِ، فَلَا يُولَدُ لَهُمْ وَلَدٌ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَيَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَهُ أَنْ يَصْنَعَ الْفُلْكَ مِنْ خَشَبِ السَّاجِ، وَأَنْ يَصْنَعَهُ أَزْوَرَ، وَأَنْ يَطْلِيَهُ بِالْقَارِ مِنْ دَاخِلِهِ وَخَارِجِهِ، وَأَنْ يَجْعَلَ طُولَهُ ثَمَانِينَ ذِرَاعًا، وَأَنْ يَجْعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَطْبَاقٍ‏:‏ سُفْلًا وَوَسَطًا وَعُلُّوًا، وَأَنْ يَجْعَلَ فِيهِ كَوًى‏.‏ فَفَعَلَ نُوحٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ، حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُ وَقَدْ عَهِدَ اللَّهُ إِلَيْهِ ‏{‏إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏ وَقَدْ جَعَلَ التَّنُّورَ آيَةً فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ فَاسْلُكْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، وَارْكَبْ‏.‏ فَلَمَّا فَارَ التَّنُّورُ، حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ، وَكَانُوا قَلِيلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، وَحَمَلَ فِيهَا مَنْ كُلِّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ مِمَّا فِيهِ الرُّوحُ وَالشَّجَرُ، ذَكَرٌ وَأُنْثَى، فَحَمَلَ فِيهِ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ‏:‏ سَامٌ وَحَامٌ وَيَافِثٌ وَنِسَاءَهُمْ، وَسِتَّةَ أُنَاسٍ مِمَّنْ كَانَ آمِنَ بِهِ، فَكَانُوا عَشَرَةَ نَفَرٍ‏:‏ نُوحُ وَبَنُوهُ وَأَزْوَاجُهُمْ، ثُمَّ أَدْخَلَ مَا أَمَرَّهُ بِهِ مِنَ الدَّوَابِّ، وَتَخَلَّفَ عَنْهُ ابْنُهُ يَامٌ، وَكَانَ كَافِرًا‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ كَانَ أَوَّلَ مَا حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مِنَ الدَّوَابِّ الذَّرَّةَ، وَآخِرَ مَا حَمَلَ الْحِمَارَ، فَلَمَّا أَدْخَلَ الْحِمَارَ وَأَدْخَلَ صَدْرَهُ، تَعَلُّقَ إِبْلِيسٌ بِذَنْبِهِ، فَلَمْ تَسْتَقِلُّ رِجْلَاهُ، فَجَعَلَ نُوحٌ يَقُولُ‏:‏ وَيْحَكَ ادْخُلْ‏!‏ فَيَنْهَضُ فَلَا يَسْتَطِيعُ‏.‏ حَتَّى قَالَ نُوحٌ‏:‏ وَيْحَكَ ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ‏!‏ قَالَ‏:‏ كَلِمَةٌ زَلَّتْ عَنْ لِسَانِهِ، فَلَمَّا قَالَهَا نُوحٌ خَلَّى الشَّيْطَانُ سَبِيلَهُ، فَدَخَلَ وَدَخَلَ الشَّيْطَانُ مَعَهُ، فَقَالَ لَهُ نُوحٌ‏:‏ مَا أَدْخَلَكَ عَلَيَّ يَا عَدُوَّ اللَّهِ‏؟‏ فَقَالَ‏:‏ أَلَمْ تَقُلْ‏:‏ ‏"‏ادْخُلْ وَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ مَعَكَ‏"‏‏؟‏ قَالَ‏:‏ اخْرُجْ عَنِّي يَا عَدُوَّ اللَّهِ‏!‏ فَقَالَ‏:‏ مَا لَكَ بُدٌّ مِنْ أَنْ تَحْمِلَنِي‏!‏ فَكَانَ، فِيمَا يَزْعُمُونَ، فِي ظَهْرِ الْفُلْكِ، فَلَمَّا اطْمَأَنَّ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ، وَأَدْخَلَ فِيهِ مَنْ آمَنَ بِهِ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي الشَّهْرِ‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ مِنَ السَّنَةِ الَّتِي دَخَلَ فِيهَا نُوحٌ بَعْدَ سِتِّمِائَةِ سَنَةٍ مِنْ عُمْرِهِ، لِسَبْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً مَضَتْ مِنَ الشَّهْرِ، فَلَمَّا دَخَلَ وَحَمَلَ مَعَهُ مَنْ حَمَلَ، تَحَرَّكَ يَنَابِيعُ الْغَوْطِ الْأَكْبَرِ، وَفَتَحَ أَبْوَابَ السَّمَاءِ، كَمَا قَالَ اللَّهُ لِنَبِيِهِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ ‏{‏فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْقَمَرِ‏:‏ 12‏]‏‏.‏ فَدَخَلَ نُوحٌ وَمَنْ مَعَهُ الْفُلْكَ، وَغَطَّاهُ عَلَيْهِ وَعَلَى مَنْ مَعَهُ بِطَبَقِهِ، فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الْمَاءَ وَبَيْنَ أَنِ احْتَمَلَ الْمَاءُ الْفُلْكَ أَرْبَعُونَ يَوْمًا وَأَرْبَعُونَ لَيْلَةٍ، ثُمَّ احْتَمَلَ الْمَاءُ‏,‏ كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، وَكَثُرَ الْمَاءُ وَاشْتَدَّ وَارْتَفَعَ، يَقُولُ اللَّهُ لِمُحَمَّدٍ‏:‏ ‏{‏وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ‏}‏، ‏[‏سُورَةُ الْقَمَرِ‏:‏ 13‏]‏، وَ ‏"‏الدُّسُرُ‏"‏، الْمَسَامِيرُ، مَسَامِيرُ الْحَدِيدِ فَجُعِلَتِ الْفُلْكُ تَجْرِي بِهِ، وَبِمَنْ مَعَهُ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ، وَنَادِي نُوحٌ ابْنَهُ الَّذِي هَلَكَ فِيمَنْ هَلَكَ، وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ حِينَ رَأَى نُوحٌ مِنْ صِدْقِ مَوْعِدِ رَبِّهِ مَا رَأَى، فَقَالَ‏:‏ ‏{‏يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ‏}‏، وَكَانَ شَقِيًّا قَدْ أَضْمَرَ كُفْرًا‏.‏ ‏{‏قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ‏}‏، وَكَانَ عَهِدَ الْجِبَالِ وَهِيَ حِرْزٌ مِنَ الْأَمْطَارِ إِذَا كَانَتْ، فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يَعْهَدُ‏.‏ قَالَ نُوحٌ‏:‏ ‏{‏لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ‏}‏، وَكَثُرَ الْمَاءُ حَتَّى طَغَى، وَارْتَفَعَ فَوْقَ الْجِبَالِ، كَمَا يَزْعُمُ أَهْلُ التَّوْرَاةِ، بِخَمْسَةَ عَشَرَ ذِرَاعًا، فَبَادَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنَ الْخَلْقِ، مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِيهِ الرُّوحٌ أَوْ شَجَرٌ، فَلَمْ يَبْقَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلَائِقِ إِلَّا نُوحٍ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، وَإِلَّا عُوجَ بْنِ عُنُقٍ فِيمَا يَزْعُمُ أَهْلُ الْكِتَابِ، فَكَانَ بَيْنَ أَنْ أَرْسَلَ اللَّهُ الطُّوفَانَ وَبَيْنَ أَنْ غَاضَ الْمَاءُ سِتَّةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرُ لَيَالٍ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ قَالَ ابْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ سَلَمَةُ، وَحَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ‏:‏ سَمِعْتُهُ يَقُولُ‏:‏ لَمَّا آذَى نُوحًا فِي الْفُلْكِ عَذِرَةُ النَّاسِ، أُمِرَ أَنْ يَمْسَحَ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَمَسَحَهُ، فَخَرَجَ مِنْهُ خِنْزِيرَانِ، وَكُفِيَ ذَلِكَ عَنْهُ‏.‏ وَإِنَّ الْفَأْرَ تَوَالَدَتْ فِي الْفُلْكِ، فَلَمَّا آذَتْهُ، أُمِرَ أَنْ يَأْمُرَ الْأَسَدَ يَعْطِسُ، فَعَطَسَ، فَخَرَجَ مِنْ مَنْخَرَيْهِ هِرَّانِ يَأْكُلَانِ عَنْهُ الْفَأْرَ‏.‏

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ‏:‏ لَمَّا كَانَ نُوحٌ فِي السَّفِينَةِ، قَرَضَ الْفَأْرُ حِبَالَ السَّفِينَةِ، فَشَكَا نُوحٌ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، فَمَسَحَ ذَنَبَ الْأَسَدِ، فَخَرَجَ سِنَّوْرَانِ‏.‏ وَكَانَ فِي السَّفِينَةِ عُذْرَةً، فَشَكَا ذَلِكَ إِلَى رَبِّهِ، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ، فَمَسَحَ ذَنَبَ الْفِيلِ، فَخَرَجَ خِنْزِيرَانِ

حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ الْجَوْزَجَانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا الْأَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مِهْرَانَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنْ الْمُسَيَّبِ بْنِ أَبِي رَوْقٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، قَالَ‏:‏ قَالَ سُلَيْمَانُ الْقُرَاسِيُّ‏:‏ عَمِلَ نُوحٌ السَّفِينَةَ فِي أَرْبَعِمِائَةِ سَنَةٍ، وَأَنْبَتَ السَّاجَ أَرْبَعِينَ سَنَةٍ، حَتَّى كَانَ طُولُهُ أَرْبَعَمِائَةِ ذِرَاعٍ، وَالذِّرَاعُ إِلَى الْمَنْكِبِ‏.‏

الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ‏(‏‏.‏‏.‏‏.‏ ‏{‏مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مُخْبِرًا عَنْ قَيْلِ نُوحٍ لِقَوْمِهِ‏:‏ ‏{‏فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ‏}‏، أَيُّهَا الْقَوْمُ، إِذَا جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ، مِنَ الْهَالِكِ، ‏{‏مَنْ يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ الَّذِي يَأْتِيهِ عَذَابُ اللَّهِ مِنَّا وَمِنْكُمْ يُهِينُهُ وَيُذِلُّهُ ‏{‏وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذَابٌ مُقِيمٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَيَنْزِلُ بِهِ فِي الْآخِرَةِ، مَعَ ذَلِكَ، عَذَابٌ دَائِمٌ لَا انْقِطَاعَ لَهُ، مُقِيمٌ عَلَيْهِ أَبَدًا‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا‏}‏، يَقُولُ‏:‏ ‏"‏وَيَصْنَعُ نُوحٌ الْفُلْكَ‏"‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا‏}‏ الَّذِي وَعَدْنَاهُ أَنْ يَجِيءَ قَوْمَهُ مِنَ الطُّوفَانِ الَّذِي يُغْرِقُهُمْ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى ذَلِكَ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ مَعْنَاهُ‏:‏ انْبَجَسَ الْمَاءُ مِنْ وَجْهِ الْأَرْضِ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، وَهُوَ وَجْهُ الْأَرْضِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا الْعَوَّامُ بْنُ حَوْشَبٍ، عَنِ الضَّحَّاكِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ ‏{‏التَّنُّورُ‏}‏، وَجْهُ الْأَرْضِ‏.‏ قَالَ‏:‏ قِيلَ لَهُ‏:‏ إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَارْكَبْ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَالْعَرَبُ تُسَمِّي وَجْهَ الْأَرْضِ‏:‏ ‏"‏تَنُّورَ الْأَرْضِ‏"‏‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَوْنٍ قَالَ، أَخْبَرَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ الْعَوَّامِ، عَنِ الضَّحَّاكِ، بِنَحْوِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ وَأَبُو السَّائِبِ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ، أَخْبَرَنَا الشَّيْبَانِيُّ، عَنْ عِكْرِمَةَ، فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَجْهُ الْأَرْضِ

حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى ابْنِ أَبِي زَائِدَةَ وَسُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَا حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ، عَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ وَجْهُ الْأَرْضِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ تَنْوِيرُ الصُّبْحِ، مِنْ قَوْلِهِمْ‏:‏ ‏"‏نَوَّرَ الصُّبْحُ تَنْوِيرًا‏"‏‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا أَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ عَبَّاسٍ مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ هُوَ تَنْوِيرُ الصُّبْحِ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِسْرَائِيلَ قَالَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ زِيَادٍ مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيٍّ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ تَنْوِيرُ الصُّبْحِ‏.‏

حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ يَعْقُوبَ، قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مَوْلَى أَبِي جُحَيْفَةَ أَرَاهُ قَدْ سَمَّاهُ عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ، عَنْ عَلِيٍّ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏,‏‏}‏ قَالَ‏:‏ تَنْوِيرُ الصُّبْحِ‏.‏

حَدَّثَنِي إِسْحَاقُ بْنُ شَاهِينَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ طَلَعَ الْفَجْرُ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ قَالَ، أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ، عَنْ رَجُلٍ قَدْ سَمَّاهُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا طَلَعَ الْفَجْرُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ مَعْنَى ذَلِكَ‏:‏ وَفَارَ أَعْلَى الْأَرْضِ وَأَشْرَفُ مَكَانٍ فِيهَا بِالْمَاءِ‏.‏ وَقَالَ‏:‏ ‏"‏التَّنُّورُ‏"‏ أَشْرَفُ الْأَرْضِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ، قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، كُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّهُ أَعْلَى الْأَرْضِ وَأَشْرَفُهَا، وَكَانَ عَلَمًا بَيْنَ نُوحٍ وَبَيْنَ رَبِّهِ

حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو هِلَالٍ قَالَ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ قَوْلَهُ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏ قَالَ‏:‏ أَشْرَفُ الْأَرْضِ وَأَرْفَعُهَا‏,‏ فَارَ الْمَاءُ مِنْهُ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ هُوَ التَّنُّورُ الَّذِي يُخْتَبَزُ فِيهِ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ إِذَا رَأَيْتَ تَنُّورَ أَهْلِكَ يَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ، فَإِنَّهُ هَلَاكُ قَوْمِكَ‏.‏

حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ، حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ، عَنْ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ الْحَسَنِ قَالَ‏:‏ كَانَ تَنُّورًا مِنْ حِجَارَةٍ كَانَ لِحَوَّاءَ حَتَّى صَارَ إِلَى نُوحٍ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَقِيلَ لَهُ‏:‏ إِذَا رَأَيْتَ الْمَاءَ يَفُورُ مِنَ التَّنُّورِ فَارْكَبْ أَنْتَ وَأَصْحَابُكَ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ شِبْلٍ، عَنْ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ حِينَ انْبَجَسَ الْمَاءُ، وَأُمِرَ نُوحٌ أَنْ يَرْكَبَ هُوَ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ انْبَجَسَ الْمَاءُ مِنْهُ، آيَةً، أَنْ يَرْكَبَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ نَحْوَهُ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ آيَةً، أَنْ يَرْكَبَ أَهْلُهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، بِنَحْوِهِ، إِلَّا أَنَّهُ قَالَ‏:‏ آيَةً بِأَنْ يَرْكَبَ بِأَهْلِهِ وَمَنْ مَعَهُمْ فِي السَّفِينَةِ‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ، نَبَعَ الْمَاءُ فِي التَّنُّورِ، فَعَلِمَتْ بِهِ امْرَأَتُهُ فَأَخْبَرَتْهُ قَالَ، وَكَانَ ذَلِكَ فِي نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ ثَابِتٍ، عَنْ السَّرِيِّ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ‏:‏ أَنَّهُ كَانَ يَحْلِفُ بِاللَّهِ، مَا فَارَ التَّنُّورُ إِلَّا مِنْ نَاحِيَةِ الْكُوفَةِ‏.‏

حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ، عَنْ النَّضِرِ أَبِي عُمَرَ الْخَزَّازِ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَارَ التَّنُّورُ بِالْهِنْدِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ، سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ يَقُولُ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، كَانَ آيَةً لِنُوحٍ، إِذَا خَرَجَ مِنْهُ الْمَاءُ فَقَدْ أَتَى النَّاسَ الْهَلَاكُ وَالْغَرَقُ‏.‏

وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقُولُ فِي مَعْنَى ‏"‏فَارَ‏"‏ نَبَعَ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ قَالَ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ، عَنْ عَلِيٍّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَفَارَ التَّنُّورُ‏}‏، قَالَ‏:‏ نَبَعَ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَ‏"‏فَوَرَانُ الْمَاءِ‏"‏ سَوْرَةُ دَفْعَتِهِ، يُقَالُ مِنْهُ‏:‏ ‏"‏فَارَ الْمَاءُ يَفُورُ فَوْرًا وَفَؤُورًا وَفَوَرَانًا ‏"‏، وَذَلِكَ إِذَا سَارَتْ دَفْعَتُهُ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَأَوْلَى هَذِهِ الْأَقْوَالِ عِنْدَنَا بِتَأْوِيلِ قَوْلِهِ‏:‏ ‏(‏التَّنُّورُ‏)‏، قَوْلُ مَنْ قَالَ‏:‏ ‏"‏هُوَ التَّنُّورُ الَّذِي يُخْبَزُ فِيهِ‏"‏، لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَكَلَامُ اللَّهِ لَا يُوَجَّهُ إِلَّا إِلَى الْأَغْلَبِ الْأَشْهَرِ مِنْ مَعَانِيهِ عِنْدَ الْعَرَبِ، إِلَّا أَنْ تَقُومَ حُجَّةٌ عَلَى شَيْءٍ مِنْهُ بِخِلَافِ ذَلِكَ فَيُسَلِّمُ لَهَا‏.‏ وَذَلِكَ أَنَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا خَاطَبَهُمْ بِمَا خَاطَبَهُمْ بِهِ، لِإِفْهَامِهِمْ مَعْنَى مَا خَاطَبَهُمْ بِهِ‏.‏

‏(‏قُلْنَا‏)‏، لِنُوحٍ حِينَ جَاءَ عَذَابُنَا قَوْمَهُ الَّذِي وَعَدْنَا نُوحًا أَنْ نُعَذِّبَهُمْ بِهِ، وَفَارَ التَّنُّورُ الَّذِي جَعَلْنَا فَوَرَانَهُ بِالْمَاءِ آيَةَ مَجِيءِ عَذَابِنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُ لِهَلَاكِ قَوْمِهِ ‏{‏احْمِلْ فِيهَا‏}‏، يَعْنِي فِي الْفُلْكِ ‏{‏مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ كُلِّ ذَكَرٍ وَأُنْثَى، كَمَا‏:‏-

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ، حَدَّثَنَا ابْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ‏.‏

حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عِيسَى، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنِي الْمُثَنَّى قَالَ، حَدَّثَنَا أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ، حَدَّثَنَا شِبْلٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، فَالْوَاحِدُ ‏"‏زَوْجٌ‏"‏، وَ ‏"‏الزَّوْجَيْنِ‏"‏ ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ، عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذَكَرٌ وَأُنْثَى مِنْ كُلِّ صِنْفٍ‏.‏

قَالَ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، مِثْلَهُ‏.‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ ‏{‏قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ اثْنَيْنِ‏.‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْفَرَجِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ أَبَا مُعَاذٍ قَالَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ، سَمِعْتُ الضَّحَّاكَ يَقُولُ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، يَعْنِي بِالزَّوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏:‏ ذَكَرٌ وَأُنْثَى‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِكَلَامِ الْعَرَبِ مِنْ الْكُوفِيِّينَ، ‏"‏الزَّوْجَانِ‏"‏، فِي كَلَامِ الْعَرَبِ‏:‏ الِاثْنَانِ‏.‏ قَالَ، وَيُقَالُ‏:‏ ‏"‏عَلَيْهِ زَوْجَا نِعَالٍ‏"‏، إِذَا كَانَتْ عَلَيْهِ نَعْلَانِ، وَلَا يُقَالُ‏:‏ ‏"‏عَلَيْهِ زَوْجُ نِعَالٍ‏"‏، وَكَذَلِكَ‏:‏ ‏"‏عِنْدَهُ زَوْجَا حَمَّامٍ‏"‏، وَ‏"‏عَلَيْهِ زَوْجَا قُيُودٍ‏"‏‏.‏ وَقَالَ‏:‏ أَلَّا تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى‏}‏ ‏[‏سُورَةُ النَّجْمِ‏:‏ 45‏]‏، فَإِنَّمَا هُمَا اثْنَانِ‏.‏

وَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ‏}‏، قَالَ‏:‏ فَجَعَلَ ‏"‏الزَّوْجَيْنِ‏"‏، ‏"‏الضَّرْبَيْنِ‏"‏، الذُّكُورَ وَالْإِنَاثَ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَزَعَمَ يُونُسُ أَنَّ قَوْلَ الشَّاعِرِ‏:‏

وَأَنْتَ امْرُؤٌ تَغْدُو عَلَى كُلِّ غِرَّةٍ *** فَتُخْطِئُ فِيهَا مَرَّةً وَتُصِيبُ

يَعْنِي بِهِ الذِّئْبَ‏.‏ قَالَ‏:‏ فَهَذَا أَشِذُّ مِنْ ذَلِكَ‏.‏

وَقَالَ آخَرُ مِنْهُمْ‏:‏ ‏"‏الزَّوْجُ‏"‏، اللَّوْنُ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَكُلُّ ضَرْبٍ يُدْعَى ‏"‏لَوْنًا‏"‏، وَاسْتَشْهَدَ بِبَيْتِ الْأَعْشَى فِي ذَلِكَ‏:‏

وَكُلُّ زَوْجٍ مِنَ الدِّيبَاجِ يَلْبَسُهُ *** أَبُو قُدَامَةَ مَحْبُوًّا بِذَاكَ مَعَا

وَيَقُولُ لَبِيدٌ‏:‏

وَذِي بَهْجَةٍ كَنَّ الْمَقَانِبُ صَوْتَهُ *** وَزَيَّنَهُ أَزْوَاجُ نَوْرٍ مُشَرَّبٍ

وَذَكَرَ أَنَّ الْحَسَنَ قَالَ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ‏}‏ ‏[‏سُورَةُ الذَّارِيَاتِ‏:‏ 49‏]‏‏:‏ السَّمَاءُ زَوْجٌ، وَالْأَرْضُ زَوْجٌ، وَالشِّتَاءُ زَوْجٌ، وَالصَّيْفُ زَوْجٌ، وَاللَّيْلُ زَوْجٌ، وَالنَّهَارُ زَوْجٌ، حَتَّى يَصِيرَ الْأَمْرُ إِلَى اللَّهِ الْفَرْدِ الَّذِي لَا يُشْبِهُهُ شَيْءٌ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَاحْمِلْ أَهْلَكَ أَيْضًا فِي الْفُلْكِ، يَعْنِي ب ‏"‏الْأَهْلِ‏"‏، وَلَدَهُ وَنِسَاءَهُ وَأَزْوَاجَهُ ‏{‏إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ إِلَّا مَنْ قُلْتُ فِيهِمْ إِنِّي مُهْلِكُهُ مَعَ مَنْ أُهْلِكُ مِنْ قَوْمِكَ‏.‏

ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الَّذِي اسْتَثْنَاهُ اللَّهُ مِنْ أَهْلِهِ‏.‏

فَقَالَ بَعْضُهُمْ‏:‏ هُوَ بَعْضُ نِسَاءِ نُوحٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ ‏{‏وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ‏}‏، قَالَ‏:‏ الْعَذَابُ، هِيَ امْرَأَتُهُ كَانَتْ فِي الْغَابِرِينَ فِي الْعَذَابِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ هُوَ ابْنُهُ الَّذِي غَرِقَ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حُدِّثْتُ عَنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي رَوْقٍ‏.‏ عَنِ الضَّحَّاكِ فِي قَوْلِهِ‏:‏ ‏{‏وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ‏}‏، قَالَ‏:‏ ابْنُهُ، غَرِقَ فِيمَنْ غَرِقَ‏.‏

وَقَوْلُهُ‏:‏ ‏(‏وَمَنْ آمَنَ‏)‏، يَقُولُ‏:‏ وَاحْمِلْ مَعَهُمْ مَنْ صَدَّقَكَ وَاتَّبَعَكَ مِنْ قَوْمِكَ يَقُولُ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏، يَقُولُ‏:‏ وَمَا أَقَرَّ بِوَحْدَانِيَّةِ اللَّهِ مَعَ نُوحٍ مِنْ قَوْمِهِ إِلَّا قَلِيلٌ‏.‏

وَاخْتَلَفُوا فِي عَدَدِ الَّذِينَ كَانُوا آمَنُوا مَعَهُ فَحَمَلَهُمْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ فِي ذَلِكَ‏:‏ كَانُوا ثَمَانِيَةَ أَنْفُسٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا بِشْرٌ قَالَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ قَالَ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ قَوْلُهُ‏:‏ ‏{‏وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ ذَكَرَ لَنَا أَنَّهُ لَمْ يَتِمُّ فِي السَّفِينَةِ إِلَّا نُوحٌ وَامْرَأَتُهُ وَثَلَاثَةُ بَنِيهِ، وَنِسَاؤُهُمْ، فَجَمِيعُهُمْ ثَمَانِيَةٌ‏.‏

حَدَّثَنَا ابْنُ وَكِيعٍ وَالْحُسْنُ بْنُ عَرَفَةَ قَالَا حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي غَنِيَّةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ الْحَكَمِ‏:‏ ‏{‏وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ نُوحٌ، وَثَلَاثَةُ بَنِيهِ، وَأَرْبَعُ كَنَائِنِهِ‏.‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ قَالَ، قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ‏:‏ حُدِّثْتُ أَنْ نُوحًا حَمَلَ مَعَهُ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ، وَثَلَاثَ نِسْوَةٍ لِبَنِيهِ، وَامْرَأَةَ نُوحٍ، فَهُمْ ثَمَانِيَةٌ بِأَزْوَاجِهِمْ‏.‏ وَأَسْمَاءُ بَنِيهِ‏:‏ يَافِثٌ، وَسَامٌ، وَحَامٌ، وَأَصَابَ حَامٌ زَوْجَتَهُ فِي السَّفِينَةِ، فَدَعَا نُوحٌ أَنْ يُغَيِّرَ نُطْفَتَهُ، فَجَاءَ بِالسُّودَانِ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانُوا سَبْعَةَ أَنْفُسٍ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ‏:‏ ‏{‏وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏، قَالَ‏:‏ كَانُوا سَبْعَةً‏:‏ نُوحٌ، وَثَلَاثُ كَنَائِنٍ لَهُ، وَثَلَاثَةُ بَنِينٍ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ كَانُوا عَشْرَةً سِوَى نِسَائِهِمْ‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ، حَدَّثَنَا سَلَمَةُ، عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ‏:‏ لَمَّا فَارَ التَّنُّورُ، حَمَلَ نُوحٌ فِي الْفُلْكِ مَنْ أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَكَانُوا قَلِيلًا كَمَا قَالَ اللَّهُ، فَحَمَلَ بَنِيهِ الثَّلَاثَةَ‏:‏ سَامٌ، وَحَامٌ، وَيَافِثٌ، وَنِسَاءَهُمْ، وَسِتَّةَ أَنَاسِيَّ مِمَّنْ كَانَ آمَنَ، فَكَانُوا عَشَرَةَ نَفَرٍ، بِنُوحٍ وَبَنِيهِ وَأَزْوَاجِهِمْ‏.‏

وَقَالَ آخَرُونَ‏:‏ بَلْ كَانُوا ثَمَانِينَ نَفْسًا‏.‏

ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ‏:‏

حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ قَالَ، حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ قَالَ، حَدَّثَنِي حَجَّاجٌ، قَالَ‏:‏ قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ حَمَلَ نُوحٌ مَعَهُ فِي السَّفِينَةِ ثَمَانِينَ إِنْسَانًا‏.‏

حَدَّثَنِي الْحَارِثُ قَالَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ قَالَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، كَانَ بَعْضُهُمْ يَقُولُ‏:‏ كَانُوا ثَمَانِينَ يَعْنِي ‏"‏الْقَلِيلَ‏"‏ الَّذِي قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَسْرُوقِيُّ قَالَ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ الْحَبَّابِ قَالَ، حَدَّثَنِي حُسَيْنُ بْنُ وَاقَدٍ الْخُرَاسَانِيُّ قَالَ، حَدَّثَنِي أَبُو نَهْيِكٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ يَقُولُ‏:‏ كَانَ فِي سَفِينَةِ نُوحٍ ثَمَانُونَ رَجُلًا أَحَدُهُمْ جُرْهُمٌ‏.‏

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ‏:‏ وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ أَنْ يُقَالَ كَمَا قَالَ اللَّهُ‏:‏ ‏{‏وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ‏}‏، يَصِفُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَانُوا قَلِيلًا وَلَمْ يُحَدِّدْ عَدَدَهُمْ بِمِقْدَارٍ، وَلَا خَبَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحٌ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُتَجَاوَزَ فِي ذَلِكَ حَدُّ اللَّهِ، إِذْ لَمْ يَكُنْ لِمُبَلِّغٍ عَدَدَ ذَلِكَ حَدٌّ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، أَوْ أَثَرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏.‏